الحصاد الذي منّت إسرائيل نفسها بالقبض عليه وإحكام إغلاق الأصابع لكي لا يفلت منها هو النصر السياسي الذي كان من المفروض أن يكون نتيجة من نتائج النصر العسكري الذي زعمت أنها حققته خلال عدوانها الغاشم.
ولئن كانت قد نجحت في خداع نفسها وليس خداع الآخرين بأنها قد حققت ذلك النصر فإن النتائج التي أفضى إليها ذلك النصر الموهوم المزعوم لم تكن لا في خاطرها ولا على بالها.
لقد خرج الجيش الإسرائيلي مغسولاً من رأسه الفارغ حتى قدميه الملوثتين حقداً وإجراماً مجلبباً بثياب الخزي والعار لأن الهزيمة رافقته منذ الساعات الأولى للعدوان وظلت رفيقة مخلصة له وأصرت على ملازمته كظله بعد همود آلة الحرب والتدمير والقتل العشوائي.
وليس بخاف على أحد أن الساسة الصهاينة سخروا أجهزة الإعلام التابعة لهم والمتعاطفة معهم لتصوير الأمور على غير حقيقتها فانطلقت ألسنتها الكاذبة وصفحاتها المزورة تتحدث عن تطهير الداخل الإسرائيلي من (الإرهاب) الآتي من صوب حماس وادعت أن الصواريخ التي كانت تهدد شمال وجنوب إسرائيل أصبحت صواريخ ورقية لا تخيف أحداً وصار بإمكان المستوطنين الإخلاد للقيلولة والنوم حتى الصباح مغلقين عيونهم باسترخاء، لأن الكواليس الملونة بأطياف صواريخ (حماس) المرعبة لم تعد تملك القدرة على الاقتراب من تلك العيون.
الكذبة الإسرائيلية المضخمة إعلامياً لم تنطل على العالم الذي رأى عنفوان أهلنا العرب الفلسطينيين في غزة البطلة، والتفافهم حول المقاومة الباسلة وممارستهم حياتهم اليومية بصورة اعتيادية خلال أيام العدوان وشحن المقاومة بروح الإصرار على هزيمة المعتدي الإسرائيلي بصرف النظر عن حجم آلته العسكرية التي لم ترهب أهلنا الصامدين.
واليوم تبدو المقاومة الفلسطينية أشد إصراراً على رد كيد المعتدي إلى نحره ودفع الظلم والعدوان عن الشعب الفلسطيني.
أمام مثل هذا الوضع المحرج لكيان مثل إسرائيل بنى سمعته القذرة على جبال ضخمة من التضليل والتزوير كان لزاماً على ساسته اللجوء إلى ملهاة جديدة تنسيهم مأساة الهزيمة التي لحقت بالجيش المهزوم الذي لا يهزم فاخترع الساسة ملهاة الحصاد السياسي للنصر العسكري.
أما ملامح هذا الحصاد فقد باتت معروفة للقاصي والداني وهي في نسيجها المحكم مزيد من التعاطف الدولي مع أهلنا الصامدين في غزة، انتشار شعبية (حماس) انتشار النار في الهشيم، وتدفق المساعدات الإنسانية على قطاع غزة من قبل دول كانت إسرائيل تنظر إليها على أنها لا تقدم على خطوة قبل أن تحصل على موافقة إسرائيل وكانت بإيعاز إسرائيلي خالص تعد المقاومة الفلسطينية المشروعة عملاً تجاوز الخطوط الحمراء كلها، بل ذهبت إلى حد اعتبار (حماس) منظمة إرهابية.
واليوم ينظر الساسة الإسرائيليون إلى المسعى الأمريكي لتحريك عملية السلام على المسار الفلسطيني-الإسرائيلي بعين حمراء لا تستطيع إخفاء الغيظ الإسرائيلي أو كظمه ولن يبدوا ارتياحاً لسماع كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) التي اعتبرت أن قيام ما سمته دولتين إسرائيلية وفلسطينية حل لا بد منه من أجل وضع حد للصراع في الشرق الأوسط وقد تميّزوا من الغيظ عندما أكد وزير الخارجية الروسي (أندريه لافروف) أن حركة حماس تتمتع بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين.
ووسائل التعبير عن هذا الغيظ المرشح ليقلب جنوناً خالصاً هي وسائل التعبير التي لا يملكون غيرها وهي القديمة الجديدة، ونعني بها حملات الدهم والاعتقال وتفتيش منازل الفلسطينيين واحتجاز سكانها في العراء لساعات وساعات.
ويصل الحقد الإسرائيلي إلى مستويات جديدة، بلغت حد منع المرضى من السفر لتلقي العلاج كما حصل مع الطفل محمد غاندي البطران البالغ من العمر أربعة أعوام الذي كان من المقرر أن يخضع لعملية أخرى خلال عام على الأكثر، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت منحه إذناً بالسفر لمدة أربع سنوات فلقي هذا الطفل حتفه، وبوفاته ارتفع عدد شهداء الحصار الإسرائيلي إلى 292 شهيداً.
لكن ليكن في علم الكيان الغاصب أن هذه الوسائل لن تفتّ في عضد الشعب الفلسطني الذي يزداد تمسكاً بأرضه وإصراراً على نيل حقوقه وإذا كان الحصاد السياسي الإسرائيلي مزيداً من التقوقع الإسرائيلي وانحسار موجة الانبهار بديمقراطيتها الكاذبة والانتقال من الضفة المؤيدة لها إلى الضفة المستنكرة لسلوكها العدواني الإجرامي فإن هذا الحصاد أيضاً انقلب سحراً على الساحر وها هم الفلسطينيون يكسبون مزيداً من التعاطف والتأييد لحقهم المشروع في إقامة دولتهم فوق ترابهم الوطني وعاصمتها القدس التي لن ينجح مسلسل تهويدها لأنها كانت وستبقى المدينة العربية العرباء.