هل تتمكن هذه الدول من الخروج من الأزمة بشكل أفضل مما فعلته اليابان؟!.
قدم ريتشارد كو من معهد نومورا للأبحاث أفضل تحليل لما حدث في اليابان فبرأيه الاقتصاد التقليدي يستمر بتجاهل قضيته المركزية التي تكون بسيطة لأنها تشير إلى أهمية الحسابات الختامية« موازنات الحسابات » والمهددون بالإفلاس هم أصحاب القروض الكثيرة الذين سيحاولون تسوية ديونهم، والحال أن لانهيار أسعار الأسهم المكتسبة من الاستدانة أثراً أكبر من الانهيار المترافق للديون البسيطة، كما يشير إلى أن سبب انخفاض الاستهلاك والقروض الشخصية اليابانية في أعوام 1990 لم تكن بسبب وضع البنوك، لكن بسبب المستلفين وهي أحد أسباب ضعف قيمة الفائدة التي استمرت سنوات في اليابان وظل المدينون يسددون قروضهم.
ضمن أي مقياس يمكن أن توضح لنا وجهة النظر هذه الوضع الذي وصلنا إليه؟ أولاً تعتبر مقارنة الوضع الحالي مع الركود القاسي لبداية سنوات 1980 مقارنة خاطئة تماماً عام 1981 كان يشكل الدين الأميركي الخاص 123٪ من صافي الإنتاج الوطني في الفصل الثالث من عام 2008 وصل الدين الخاص إلى 290٪.
كما كان يشكل الدين العائلي 48٪من صافي الإنتاج الوطني عام 1981، بينما وصل عام 2007 إلى 100٪. عام 1980 وصل معدل التسديد في الاحتياط الفيدرالي الأميركي إلى 19٪ و20٪ أما اليوم فهو قريب من الصفر واحتمال القدرة على زيادة الاستدانة اليوم معدومة عملياً، من ناحية ثانية هؤلاء الذين يرون في توسيع موازنة الحكومة اليابانية إخفاقاً هم مخطئون، فعندما حاول القطاع الخاص تسديد الديون على عدة سنوات كان أمام الدولة ثلاثة خيارات: ترك اهتمام الاستدانة للحكومة وزيادة الصادرات المعفاة من الجمرك أو ترك الاقتصاد يهوي في سلسلة من الإفلاسات.
لم تنهر اليابان حين خسرت ثروات تعادل ثلاثة أضعاف صافي إنتاجها الوطني، ماالذي يفسر عجز الموازنة إذاً؟! عام 1997 حين حاولت حكومة هاشيموتو تقليص هذه العجوزات انهار الاقتصاد وزادت العجوزات.
الأمر الثالث كأمر مجد هو الاعتراف بالخسائر ورسملة النظام المالي مجدداً، عاش اليابانيون مع بنوك وهمية «زومبي» لمدة عقد من الزمن تقريباً، ويمكن تفسير ذلك من خلال الحصار السياسي الذي ظهر في عدائية الرأي نحو المصرفيين ومنع الحكومة ضخ الأموال العامة لهم، لكن سيطرة المصرفيين حال دون تأميم المؤسسات المفلسة، وقد ادعوا أن سبب المشكلة انخفاض سعر المال، لكن في النهاية ضغطت الحكومة اليابانية عليهم بسبب حدوث ابتلاع مالي، نفس الأمر حدث في الولايات المتحدة في خريف2008، لكن بفارق أنه فاتهم إعادة بناء ورسملة النظام كاملاً.
قد يظهر القطاع المالي في الولايات المتحدة أكثر حسماً مما كان عليه في اليابان فتراكم الديون الأميركية الكبيرة لم تكن بسبب الشركات غير المالية لكن بسبب الديون العائلية والقطاع المالي، فدين تلك الأخيرة شكّل 22٪ من صافي الإنتاج الوطني عام 1981 ووصل إلى 117٪ من صافي الإنتاج الوطني في الفصل الثالث من عام 2008، بينما تجاوزت ديون الشركات غير المالية بنفس تلك الفترات من 53٪ إلى 76٪ من صافي الإنتاج الوطني، أيضاً رغبة البنوك في إصلاح ميزانيتها قد تكون سبباً في ركود أكبر من الولايات المتحدة.
في ظل هذه الشروط كيف يمكن أن تخدمنا التجربة اليابانية اليوم؟ الخبر الجيد أن فقاعات أسعار الأموال كانت في الولايات المتحدة أقل مما كانت عليه في اليابان، والأكثر من ذلك المال الفيدرالي كان أكثر سرعة للاعتراف بالحقيقة وإعادة قيمة الفائدة بسرعة إلى الصفر.
والخبر السيئ أن النقاش حول السياسة النقدية يبدو أكثر عمقاً في الولايات المتحدة الأمر الذي لم تعرفه اليابان: هنا لن نلح على واقع أن تبدو السياسة النقدية الوسيلة الوحيدة للحل بوجود قيم فائدة رسمية معدومة في زمن تضخم الموازنة، والخطر المحدق يكون باللجوء إلى تخفيض سريع لعجز الموازنة ما قد ينجم عنه نتائج كارثية.
3/3/2009