كلها مقولات تحض على العمل وتبرز قيمته ومكانته مهما كان نوع مزاولته ولكن هل توجد هذه القناعات لدى من يمارس بعض المهن التي يراها المجتمع «في جانب منه» أقل شأنا من غيرها بل قد يراها البعض «عيبا»
«الإسكافي » هذه المهنة الصعبة والقاسية من حيث نظرة البعض إليها توازي في أهميتها تقريبا صناعة الأحذية فلماذا يعتبر ممارسها بنظرة المجتمع السلبية أقل شأنا من مزاول أي مهنة أخرى بينما يعتبر هذا المجتمع صانع الأحذية «رجل أعمال» وعليه القيمة!
توقعت وأنا اتجه لمناقشة هذه القصة أن أجد لدى من أقصدهم بعض الارتباك وأنا أسألهم السؤال الذي تضمنه العنوان وهو «هل تخجل من ممارسة مهنة الإسكافي؟» لكن الإجابات جاءت منسجمة مع مقدمة الموضوع حيث نظر مزاولو هذه المهنة للمهنة بشيء من الاعتزاز بالنفس وبالمهنة..
«أ-ظ» رد على سؤالي: أنا دكتور .. انظر وهو يشير بيده إلى محله هذه عيادتي هنا قسم الإسعاف، وهناك الإقامة وإلى جوارها الحالات الصعبة أو الميؤوس منها.. وبهذه الابتسامة العريضة تابع يقول: لاتضحك يا أستاذ فقسم الإسعاف هو للحالات العاجلة والتي لايمكن تأجيلها كإعادة تثبيت «كعب» أو «درزة» ضرورية لحذاء طالب مدرسة سيرتدي حذاءه صبيحة اليوم التالي ,أما قسم الإقامة والحالات الصعبة فيضم الأحذية التي تحتاج إلى عمل كبير ووقت وليس أصحابها على عجل..
عاودت سؤالي له: هل تخجل من تقديم نفسك كـ «مصلح أحذية» أم لا؟ فقال ولماذا الخجل أنا أعمل بشرف وأكفي أسرتي من عرق جبيني ويغنيني عن حاجة الناس!
سألته عن المردود فقال: مستورة والحمد لله وأفضل من الوظيفة الحكومية!
في مدينة طرطوس يوجد ما لا يوجد في أي مكان آخر من حيث الشكل فقط وهو وجود «مشفى الأحذية» !
هذه المسألة حقيقة ومن يمر في منطقة المشبكة بالقرب من المؤسسة العامة لتجارة التجزئة يلفت انتباهه لافتة كبيرة كتب عليها «مشفى الأحذية » !
قصدنا هذا المشفى وجلسنا بين المراجعين ننتظر دورنا بالكشف والمعالجة وعندما جاء دورنا سألني السيد ابراهيم سخطة مدير مشفى الأحذية: بماذا أخدمك؟
ضحك عندما عرف القصد من زيارتي فقطعت ضحكته بسؤال: هل خجلت في يوم من الأيام من ممارسة هذه المهنة؟
أبو أحمد سخطة رد بكل عنفوان: أفتخر بأنني أقدم «كندرجي» في محافظة طرطوس أمارس هذه المهنة منذ أكثر من أربعين سنة وهذه المهنة أكسبتني الكثير من محبة الناس ومعرفتهم وقد ورثتها لأبنائي أيضا!
قلت له: على ذكر أبنائك وإذا ما أردت أن تخطب لهم ألا تجد أن هذه المهنة قد تؤثر على عملية القبول أو الرفض؟ يرد أبو أحمد: أتصدقني يا أستاذ أهل بعض البنات جاء خاطبا أولادي!
ختمت دردشتي معه بسؤاله عن مردود هذه المهنة فقال: جيد والحمد لله...الله ساترها!
على الطرف الآخر «سومر» شاب في مقتبل العمر أنهى خدمة العلم منذ عدة أشهر وطال بحثه «من وجهة نظره» عن عمل يبدأ به حياته العملية سألته: لماذا لا تمارس تصليح الأحذية مع أن أدوات ممارستها بسيطة جدا ومردودها المادي جيد جدا؟
سومر قال: أعوذ بالله تريد أن يقول عني الناس: مصلح أحذية ؟ سألته: وماذا يضرك هذا؟
قال من ستقبل بي زوجا لها في هذا الزمن؟
هذا السؤال حملته إلى فتاة في الـ 27 من عمرها /هـ-س/ فردت دون تردد: لاأقبل !
لن أزيد كثيرا لكن هذه المهنة «تصليح الأحذية» حقيقة قائمة ولاغنى عنها وإن اختلفت وجهات النظر فيها أو عليها!؟.....