وانفضحت أزمته بدءاً من كبريات مؤسساته المالية، ومن داخل الولايات المتحدة الاميركية قلب النظام الامبريالي العالمي الاقوى مالياً وعسكرياً، وذلك بعد فقدان شتى أشكال السيطرة التي تمت ممارستها بهذا الشأن وقد رافق ذلك اعتراف كبار المفكرين الليبراليين العالميين ومن قلب الانظمة الليبرالية بخطورة هذه الازمة.
وعلى رأسهم من كانوا الاكثر تشبثاً بنظام اقتصاد السوق والاكثر حماساً للدفاع عنه هؤلاء هم أنفسهم الذين اقروا مجدداً ( على مبدأ صاحب الدار ادرى بالذي فيه )ودون ضغط أو اكراه، بضعف قدرة نظام اقتصاد السوق على حل أزماته خلافاً لما كانوا هم يروجون له سابقاً، واعترفوا من دون خجل أو وجل وغير أسفين على تراجعهم الجديد عن قناعاتهم القديمة، بضرورة الحاجة الماسة لتدخل الدولة وقائياً في الوضع الاقتصادي ضماناً لقوتها وقوة المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة، وضمان عيش كريم لمواطنيها يجنبهم لجوء الدولة اللاحق لتدخلات علاجية ( وبتكلفة أكثر بكثير من التدخل الوقائي) أكان ذلك بقناعات منها، أم نتيجة المطالبة الشعبية لها، عبر النقابات أم الاعلام أم من خلال ممارسة حق التظاهر لانكار حدوث ما كان ممكن اجتناب حدوثه، والمطالبة الملحة بتدخلات عاجلة ، واتخاذ اجراءات لمعالجة اخطار ومشكلات حلت بهم، قد تحقق العلاج الجزئي لأزمة حلت والتي كان ممكناً الوقاية منها كلياً عبر اجراءات مسبقة وبأقل تكلفة.
رغم فداحة الازمة فالعديد من الانظمة الليبرالية العالمية والعديد من الاقتصاديين العالميين، ما زالو يراهنون على نجاح نهج اقتصاد السوق، ويشاركهم الرأي في ذلك بعض الاقتصاديين من خارج الانظمة الليبرالية ويتنطحون ليأخذوا دور الملكية أكثر من الملك وبعضهم ضمن قطرنا العربي السوري حيث يعتبرون أننا في مرحلة تحول كبرى هامة باتجاه اقتصاد السوق الاجتماعي والتي هي من منظور بعضهم اساس لمرحلة تحول كبرى باتجاه اقتصاد السوق بمفهومه المفتوح، المنظور اليه كمنقذ رغم نكسته الكبرى وما سبقها من نكسات في العقود السابقة، ورغم تحفظ بعضهم على ما يضمر بهذا الاتجاه فقد أظهر ذلك تلميحاً حيناً وتصريحاً حيناً آخر وفي أكثر من مكان وزمان تارة متعمداً ذلك ومن حيث يدري وتارة سهواً من حيث لا يريد على مبدأ ما يكنه القلب يظهر على فلتات اللسان، والملفت للانتباه هو تمجيد البعض لاقتصاد السوق لنجاحه الملحوظ والمميز في الصين الشيوعية، وعلى مبدأ اطلبوا العلم ولو في الصين اضافة الى نجاحه في دول أخرى كتركيا.
لقد قال أغلبهم إن اقتصادنا ومؤسساتنا المالية لم أو لن تتأثر وبعضهم أقر بتأثر قليل جداً ومع تفاقم الازمة انحسر الكثير من هذه الاراء وبصمت وقلة منهم اعترفوا بتأثرنا المحدود آنياً والذي قد يتوسع قليلاً لاحقاً ونظراً للمستجدات التي أثبتت تأثرنا والاعداد فعلاً لا قولاً لمعالجة المنعكسات الانية للأزمة باعتماد المزيد من حضور الدولة الوقائي وعلى كافة الاصعدة نظراً للأهمية الكبرى لهذا الحضور الاكثر مردودية والاقل تكلفة قياساً بتدخل الدولة العلاجي حال لزومه وهذا يتطلب العودة مجدداً لطرح مفهوم التعددية الاقتصادية ومفهوم أبوية الدولة المترافق بدور أبنائها الداعم لهذا الدور وبتشاركية فاعلة ومسؤولة بين الدولة ومواطنيها بعيداً عن المفهوم السابق الخاطئ ذي السمة الاتكالية الذي يلقي على عاتق الدولة ما لا يقع على عاتقها أصلا أو يعمل لتحميلها ما لا تستطيع القيام به وهذا يتطلب العديد من الاجراءات الهامة ومنها التالي:
1- اتخاذ اجراءات فاعلة وسريعة لمنع انهيار القطاع العام والحفاظ عليه فعلاً لا قولاً فما سمعناه وما زلنا نسمعه من أقوال بخصوص الحفاظ على القطاع العام لا نجد ما يؤكده من أفعال وأية دراسات موثقة نجريها بهذا الشأن تبين لنا ذلك وبكل وضوح.
2- العمل على زيادة الانفاق الاستثماري الانتاجي وضمان تحقق الفائدة الفعلية من الانفاقات الخدمية الكبيرة وخاصة في الميدان الصحي والتعليمي.
3- مكافحة الفساد فعلاً في جميع أماكن وأزمنة انتشاره ( وبكافة اشكاله) عبر اعلان حملة علنية عليه ووفق آلية معلنة تضمن تحقق هذا الشعار خلال فترة قريبة وتنقل سورية وبتسارع الى مصاف الدول الاقل فساداً
4- العمل الجدي لتحقيق الاصلاح الاداري فعلاً بما يسمح لأصحاب الكفاءات والنزاهة الحريصين على المال العام بتبوء المواقع الادارية في الادارات الخدمية والانتاجية لا أن تبقى الساحة مفتوحة لأصحاب الولاءات الشخصية المستهترين بالمال العام والساعين لمزيد من الكسب غير المشروع وارتكاب المزيد من الفساد ، وايلاء الاصلاح الاجتماعي الأهمية الكبرى.
5- اصلاح القضاء والاجهزة الرقابية كون هذه الجهات هي منطلق الاصلاح نظرياً والمعنية اصلاً بمكافحة الفساد وتحقيق المزيد من الاستقامة والسلوك الحسن عملياً.
6- العمل الجاد على دعم وتشجيع واستثمار البحوث العلمية في كافة المجالات وضمان تحقق الاستفادة من التدريب داخل القطر وخارجه بحيث يتم تدريب المؤهلين للتدريب، ولغاية المنفعة الوطنية أولا قبل المنفعة الشخصية، واستثمار كفاءات المتدربين بما يحقق الاستفادة من نتائج تدريبهم واستبعاد تدريب من هم ليسوا أهلاً لغاية منحهم كسباً مادياً أو خلق حجة تبرر تسليمهم مهمات ادارية جديدة بحجة ما يحملون من وثائق تدريب .
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية