بل لأنه سيضيف إلى قنوات الاستثمار المتاحة حاليا، قناة استثمارية جديدة تختلف معها في الأداء وتتكامل في الهدف، فصغار المستثمرين ستتاح لهم الفرصة لتنمية مدخرات لطالما ظلت «تحت البلاطة» لعقود طويلة، أو أنها خرجت في وقت سابق لتستقر في جيوب جامعي الأموال، ثم لتختفي باختفائهم، أما كبار المستثمرين، فإن الوقت قد حان لتحقيق الاستفادة من السوق في اتجاهين: تنمية الأموال واستثمارها، ثم ضمان مصادر تمويل للمشاريع سواء المحدثة أم الراغبة بالتوسع00
من اشترى أسهما ويرغب ببيعها00 الشركات التي ترغب بمعرفة قوة وموقف سهمها السوقي00 الشركات التي تنتظر نتائج التداول لتمضي في إدراج أسهمها في سوق دمشق للأوراق المالية00 شركات الخدمات والوساطة المالية، التي تتلهف لممارسة دورها في إتمام صفقات بين باعة ومشترين00 جهات التدقيق والتفتيش على الحسابات التي تنتظر من يطلب خدمات بعد صار للمهنة سوقها00 كل هؤلاء وآخرون غيرهم ينتظرون أن تبحر سفينة السوق، وأن «تستوي على الجودي»00
هذا اليوم، الذي وإن بدا مختلفا، إلا أنه لا بد وأن يستدعي من ذاكرتنا الاقتصادية سوقا مالية عرفتها دمشق في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وعرفت يومها بسوق «البورص» أو «الصيارفة»، وهي تشكل جزءا من سوق العصرونية في منطقة الحميدية، حيث كان عدد الشركات التي تتداول على أسهمها في هذه السوق يصل إلى نحو /117/ شركة، ويشمل هذا التداول القيم المنقولة والمعادن الثمينة (الذهب بشكل رئيس)، وبالليرات السورية والذهبية، وأغلب هذه الشركات يعمل في تجارة وصناعة النسيج الأسمنت والورق00 وبالرغم من أن هذه السوق كانت تعمل حينها بشكل غير منظم، إلا أن الثقة هي الضابط الوحيد لصفقاتها (أوامر البيع والشراء)، التي كانت تنفذ في اليوم التالي لتوقيعها، وقد يكون سعر السهم قد ارتفع أو انخفض خلال هذا اليوم، إلا أن البيع يبقى ساريا، فللتاجر سمعة ومصداقية في السوق، وهم من يعطيان لأعماله وزنا00!!
المهم أن بورصتنا «البدائية» يومها، استمرت عقدين أو ثلاثة لتحمل أمتعتها وترحل عند العام 1965، حيث لم تعد الحاجة لوجودها قائمة، بعد أن اتجهت البلاد لتأميم الشركات، ودخول مرحلة الاقتصاد المخطط، فيما يعتقد بعض المهتمين من تجار السوق أن التداول استمر حتى السبعينيات، ولكن بشكل غير معلن، وفي عام 1960 ظهرت محاولة لوضع التشريع اللازم لتنظيم السوق المالية، بناء على دعوة بعض رجال الأعمال والصيارفة لإقامة سوق مالية أسوة بالسوق المالية في الشقيقة مصر0
في عام 1980 عاد التفكير بإحداث سوق للأوراق المالية ليطفو على السطح مدفوعا بحراك اقتصادي أخذت تعيشه البلاد، ثم بظهور شركات مساهمة مغفلة في السياحة والزراعة، وبنحو /60/ مليار ليرة سورية سحبها جامعو الأموال من جيوب الناس مستفيدين من غياب قنوات استثمار حقيقية00!!
في عام 1987 دخلت وزارة الاقتصاد على خط إنشاء سوق مالية تنظم تداولات الأسهم، وتحمي حقوق الدولة والأفراد، وبعد فشل هذه التجربة، أعادت طرحها في 1990 عبر اقتراح مكتب لتداول الأسهم في اتحاد غرف التجارة السورية، ثم أعادت في العام نفسه التفكير بتصور لصك تشريعي تحدث بموجبه السوق، ولكن الأمور عادت إلى المربع الأول00!!
في 2001 تم تقديم مشروع قانون جديد حمل اسم (السوق السورية للأسهم والأوراق المالية)، وتقاذفته الحكومة والاقتصاد والمالية لتحديد مرجعيته والولاية عليه، لتكون الولاية من نصيب الأخيرة، إذ يكون وزير المالية هو المشرف على إحداث السوق، وأجريت دراسات فعلية استندت على تجارب وقوانين الأشقاء في مصر، الأردن، الكويت، عمان، البحرين، لبنان00
يمكن اعتبار العام 2005 عاما حاسما، إذ وضع الـ»مدماك» الأول للسوق المالية عبر إصدار القانون 22 لعام 2005 ، والذي قضى بإحداث هيئة الأوراق والأسواق المالية كجهة تشريعية تنظيمية رقابية ترتبط برئيس مجلس الوزراء00
المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2006، والذي قضى بإحداث سوق دمشق للأوراق المالية، جاء ليضع قطار السوق على سكته الصحيحة، ولتتوالى التحضيرات اللازمة لخروج السوق إلى النور، وها هي خرجت فعلا، وأصبح هذا السرد التاريخي مادة أرشيفية، بل أصبحنا أمام سوق مالية وليدة وناشئة تحتاج تضافر الجهود لتنجح، ليس بوصفها حدثا اقتصاديا غير اعتيادي، بل مشروعا وطنيا وخيارا حان وقته0