هذا الأثر الغريب للخط قبل حتى أن أعرف فضاءات الفنان التصويرية، فلم أكن أرى لوحاته أو ألوانه، ولم أعرف في حينها أثناء عملنا بمكان واحد في بداية التسعينيات سوى اسكتشات كان يلتقطها بلحظة خاطفة من خياله أو من واقعة أمامه أو نص قرأه، حيث تراه فجأة يمسك بقلمٍٍ أياً كان حبره ويبدأ اللعب على الورق سائحاً بين ورود وفتيات وأشخاص مختلفين، ناسجاً من تقاطعات الخط مشاهد وحالات تبوح بجمالياتها من خلال رسوم أبسط مايقال عنها إنها تعكس شفافية هذا الفنان. عندها ألح علي فضولي أشد إلحاح وقمت بزيارة مرسمه لأكتشف عوالم أخرى بين اللون واللوحة الخارجة عن حيائها التقليدي.
ومؤخراً في العرض الذي قدمه في صالة فري هاند للفنون لم يغب الخط عن معظم نتاجه فكان حاضراً إلى جانب اللون وتضاريس السطح بشكل لافت، وأما اللون فقد تبنى بكل إمكاناته التعبير عن ارهاصات هذا الفنان المختلفة وكنا على موعد مع أعمال جريئة وغنية بدلالاتها المختلفة وقد تنوعت هذه الأعمال فيما يخص حجومها وحواملها السطحية التي تراوحت بين الخشب والورق المقوى والكانفس المؤسس بعدة أبعاد تقنية سعياً لسطوح مشغولة تعتبر مستقبلات مغايرة للتقليدي تنتظر الخط واللون والتأثيرات الأخرى والمواد المتنوعة من قصاصات الورق من جرائد وغيرها.
يتصدر البورتريه بكافة أشكاله وقطوعه كل لوحاته والبارز في هذا التناول الحركات المختلفة التي ظهرت بها شخوصه التي تبدو عليها انطباعات تحيط باحتمالات كبيرة من المشاعر والحالات تختزل رهافة هذا المبدع في علاقته وتفاعله مع محيطه والحياة عموماً وتلخص رؤاه ومفاهيمه للسطح التصويري.
يقدم نصرة لوحاته في مجموعات بين ثنائيات وثلاثيات وأكثر من ذلك ويتضح أن فصل ثلاثية منها على سبيل المثال يفرز ثلاث لوحات قائمة بذاتها تحتفظ بتكوينها وتوازنها وقدراتها التعبيرية بل يزيد هذا الفرز من الخوض في تداعيات ذهنية واسعة من خلال حضور أجزاء من لوحة أخرى بألوان معينة متباينة في محيطها لانسجام الكل وتحرير الخيال.
بين المنظور الواقعي إلى حد ما والمنظور المبتكر يصمم عموم الشكل مستفيداً من صياغاته المتفردة وصولاً لتكوين يختلف بين عمل وآخر قوامه التباين اللوني وتوضع العناصر المختلفة من كراسي وشخوص وفاكهة ومنمنمات غلفت ثياب الحضور ممن تصدروا اللوحات بحركاتهم التي تخفي خيالاً جامحاً للفنان.
إن آلية الكولاج التقنية ظهرت في معالجتها المتأنية والمدروسة بعناية لتخدم سياق الفعل التشكيلي بامتياز وتمنح العمل فضاءات تعبيرية مؤثرة فتوضعت القصاصات المختلفة من دواع وخلفيات ذهنية متعددة بشكلين أحدهما في نقاط معينة من اللوحة، والشكل الآخر بشكل واسع كحامل لمختلف العناصر بعد معالجة معينة من شفافيات لونية.
تبرز العناصر التشخيصية على وجه الخصوص من خلال صياغة شكلية تصرح ببراعة الأداء ومخلفة مشاعر من الرقة والدفء والحميمية تطول الفنان إلى جانب الشخوص المرسومة مانحاً المتلقي مزيداً من التفاعل واطلاعاً على حالات انسانية عميقة عبر السطح الفني بألوانه وتأثيراته الخطية وقيم الظل والنور التي تماهت عبر التداخلات اللونية والتي تخللها الخط المذكور بحساسية ورفق.