فهو مختلف أستيقظ على صوت العصافير الذي يمثل لنا أغنية الصباح.
هكذا بدأت أم فيصل حديث ذكريات الطفولة في قريتها الوادعة الغافية على هضبة الجولان الحبيب, وأضافت: أكثر ما أتذكره أيام الصبا الجميلة سقى الله تلك الأيام لو تعود ثانية وأتنفس نسيم وطني الحبيب الذي يقول لي قلبي: إنه سيعود قريباً وأرى أشجار التين التي يسكنها عصفور التين وسمي كذلك لأنه يتخذ من الشجرة سكناً له وهو عصفور جميل أخذ صفاء صوته من حلاوة التين البعل المشهور في قريتي.
والصورة المطبوعة في ذاكرتي منذ الطفولة حتى الآن وأنا في عمر 67 عاماً، منظر الخراف من منزلي المرتفع قليلاً وهي تمشي مسرعة إلى الرعي أظل واقفة حتى تختفي من الطريق.. هذه الصورة إضافة إلى خبز التنور في ساحة الدار حيث كنا البيت الوحيد في القرية لدينا فرن التنور وأرى النسوة قد تجمعن ينتظرن دورهن للخبز وأجلس في طرف الدار وكلما انتهت واحدة من الخبز تترك لي رغيفاً شهياً أكله مع الحليب وترش لي أمي السكر فوقه أنه ألذ خبز ذقته في حياتي.
وتضيف أم فيصل: حياتنا بسيطة وكلها مميزة نأكل اللبن والجبنة من البيت والخضار من الحوش وحتى هذه الأيام أفتش في السوق على الرشاد والهندبة لأنها مرتبطة بجزء مهم من حياتي وأيام السليق نقضي طول النهار في تحويش البندورة والسلق والسبانخ والبصل والخس، أما في أيامنا هذه نراها جاهزة في واجهات محال الخضرة بينما في ذلك الوقت كنا نكبر معها ونعد الأيام كي نراها ناضجة جاهزة للقطاف.
أما أجمل مشوار لدي فكان مرافقة والدتي إلى عين المي لتعبئة «المنشولة» وهي فخارة صغيرة تشبه الخابية لتعبئة المياه للشرب وهي مياه باردة دون براد وطعمها مميز ومن الألعاب التي أذكرها... لعبة الحيز والطميمة، أما الصبيان فكانوا يلعبون الماظات وفرد الفلين أيام العيد مع الفتيش الذي لي معه قصة طفولية وأذكر أنني كنت أمشي مع أختي الكبيرة عندما دوى صوت المفرقعات تحت قدمي وارتعبت وحتى يومنا هذا لاأحب المفرقعات أبداً.
وأذكر طريق المدرسة الذي لايبعد كثيراً عن بيتنا ودرست الخط والقراءة والكتابة وأتذكر معلمتي في الصف الأول حتى الآن ولاأنسى بيادر القمح وشوي الذرة, أما أحب الفواكه إلى قلبي فهو التين الذي نأكله من الشجر مباشرة وهو حلو كالسكر أخذ من حلاوة الأرض والناس الذين يعيشون في المنطقة... وكلما أتى موسم التين تذرف عيناي الدموع حنيناً إلى شجرة التين وتلك الأرض الطيبة وكل حبة تين ارتوت بمياه المطر, فالتين لدينا بعل وهو من ألذ أنواع التين وأشهرها.... وكنت أتذكر جدي وجدتي يقطفان التين ويأكلانه مع الخبز وكذلك العنب... أما البيوت فهي من الحجر وواسعة جداً وكان منزلنا أكبر بيت في القرية وفسحة الدار واسعة يتوسطها فرن التنور الذي كان يبقى مشتعلاً حتى تنتهي نساء الحارة من الخبز... إنني أشتاق لتلك الأيام وصحيح أن الحياة كانت بسيطة ولكنها جميلة وممتعة ومملوءة بالعمل.