تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


السياسة الأميركية بين النفاق والمصالح الحيوية

شؤون سياسية
الأثنين 13-6-2011
د. إبراهيم زعير

ثمة من يقول، إن أميركا لا تعرف قراءة التاريخ، ولا تتعلم من أخطائها، ولا من أخطاء الآخرين، ويستنتج بانها تكرر في كل مرة، ومن جديد الخطأ في قراءة الحاضر والمستقبل، ويسوقون أمثلة واقعية عن هذه الأخطاء التي ارتكبتها أميركا وارتكبها غيرها من حلفائها،

ان كان في الماضي أم في الحاضر، والأمثلة كثيرة ومتنوعة، بدءاً من حربها القذرة في فيتنام، والتي انتهت بهزيمتها، وقبلها هزمت فرنسا في نفس هذا البلد الذي رفض وقاوم هيمنة المستعمرين على بلاده، وعادت من جديد لتلاقي المصير نفسه في لاوس وكمبوديا وفي أميركا اللاتينية وفي العديد من دول القارة الإفريقية.‏

والحقيقة أن أميركا تدرك بعمق وفهم كامل، مصالحها الحيوية والاستراتيجية في العالم، وتعمل بكل جبروتها لإرغام الآخرين على الاعتراف والإقرار بهذه المصالح، ولو كلفها ذلك سفك دماء ملايين البشر ومليارات الدولارات، أملاً في ضمان هذه المصالح. بيد أن الخطأ الحقيقي الذي ترتكبه، وهي مضطرة لذلك، رغم معرفتها به، هو عدم تقديرها الكافي لقدرة الشعوب ضحايا سياستها الكونية، على المقاومة والصبر وتحمل كل تبعات هذه السياسة الأميركية، ليس فقط لحماية أوطانهم من الاستعباد الأميركي، بل وللفوز بحريتهم واستقلالهم الوطني.‏

والخطأ الآخر الذي تغوص في مستنقعه، ولا شفاء منه، أنها تبذل كل ما بوسعها لفرض نمطها الأميركي على دول، تريد منها، أن تتبنى هذا النمط، ليس من أجل تقدمها وتطورها الاقتصادي والاجتماعي، بل من أجل أن تتقبل نموذجها، ليصبح آداة لإخضاعها، ودائماً يكون مغلفاً بعبارات وجمل منمقة طابعها شكلي لا يمس الجوهر، فبعبارات مثل الديمقراطية والحرية وأحياناً الإصلاحات، هدفها النهائي الاستعباد والهيمنة، ولو تمعنا في واقع الأشياء لتوضح أن شعار مكافحة الإرهاب والإرهابيين سمح باستعمار أفغانستان وشعار إنهاء الأنظمة الاستبدادية والقمعية، أدى إلى غزو العراق واحتلاله، ولم يعد مهماً بالنسبة لأميركا، أن تصرخ وتدعي بأنك حر وقادر على التعبير عن رأيك، رغم قداسة هذه المفاهيم الرائعة، ولكن فما قيمة الحرية والديمقراطية وحرية التعبير، ورقبتك تحت الجزمة الأميركية، ووطنك مستباح للجنود الأميركيين، وغيرهم من المستعمرين، فما قيمة الديمقراطية الإسرائيلية، التي يتبجح بها البعض، وكأنها النموذج المثالي للديمقراطية، في وقت لا يستطيع أي مناهض للصهيونية داخل اسرائيل، أن يغير من طبيعة اسرائيل العدوانية الهمجية والفاشية بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، فما قيمة الحرية والديمقراطية، التي تتبجح بها اسرائيل، في الوقت الذي تسفك فيه دماء الفلسطينيين لمجرد التعبير عن احتجاجهم وبصدور عارية، على احتلال أرضهم ووطنهم الذي شردوا منه على أيدي هؤلاء دعاة الديمقراطية المزيفة، فما قيمة الثورة، إذا كانت ملوثة بقوات الأطلسي الذي أصبح الناطق باسم «الثورة» والثوار ضد حاكم «طاغية». فالحرية لا يمكن الفوز بها من خلال فوهة البندقية الأميركية والأطلسية والإسرائيلية، فالشعب العراقي خسر حرية وطنه للتخلص من حاكم ظالم، وخسر موارده ونفطه الذي تنهبه الشركات النفطية الأميركية الكبرى، ولو كانت الأنظمة الاستبدادية التي ينتمي بعضها إلى القرون الوسطى، غير مخلصة وتحقق المصالح الأميركية، لأصبحت هدفاً أميركاً دائماً، وما دامت تستجيب لمصالح واشنطن فإنها حرة أن تمارس ما تشاء وبغطاء أميركي حتى لو كانت هذه الممارسة أشد انتهاكاً للديمقراطية والحرية.‏

وربما يتساءل البعض كيف دعمت أو على الأقل أبدت تفهمها لبعض الثورات أو الانتفاضات الشعبية ضد أنظمة عربية عريقة في عمالتها وربط مصير بلدانها بالمصالح الأميركية وحتى الاسرائيلية، أميركا ليست غبية، هي تعرف أن شعوب هذه البلدان، لم يعودوا قادرين على تحمل أن تكون أوطانهم العربية، مطية وأدوات لتنفيذ ما تشاء أن تنفذه أميركا واسرائيل في المنطقة العربية، فسارعت أميركا نفسها لقطع الطريق على هذه الشعوب، وتحويل انتفاضاتهم بالاتجاه الذي يخدم مصالحها ومصالح حليفها الإسرائيلي. ودفعت هذه البلدان في نفق الفوضى الخلاقة، الذي يتصارع فيها الأمل بالحرية والاستقلال والاستعباد الأميركي الصهيوني. وما قيمة الحرية والديمقراطية، إذا كانت القوى الظلامية والعميلة، تشهر سلاحها المهرب إلى داخل سورية، لقتل الأبرياء وقتل أبناء الجيش العربي السوري العظيم البطل، الذي حقق المعجزات في تاريخه المجيد والمشرف منذ معركة ميسلون عام 1920 وحتى حرب تشرين التحريرية 1973، وقبلها حرب 1948، وما زال هذا الجيش الوطني الكبير، حصناً للدفاع عن المقاومة والحرية لوطنه وأوطان الأشقاء العرب الآخرين. كيف يمكن أن تستوعب فيه عمليات القتل والكمائن والتمثيل بجثث الشهداء مع قيم الحرية والديمقراطية؟‏

إنها فبركة ديماغوجية فاشلة، وإذا كان البعض يراهن على النصر بمآزرة اسرائيل وأميركا وفرنسا، ونيل الحرية، فإنه لن يحصد سوى الهزيمة، فالمعركة اليوم في سورية، هي بين من يريد الإصلاحات الحقيقية لصالح الشعب السوري وبين من يريد إسقاط هذه الإصلاحات، برفع شعاراتها نفاقاً وكذباً. المعركة اليوم بين الوطن الحر والمستقبل وبين أعداء حرية الوطن واستقلاله، ولا خيار آخر في معركة الحق والباطل.!!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية