وتحتل التغييرات العاصفة التي تمر بها المنطقة العربية حيزاً كبيراً وواسعاً في التفكير الأمني الإسرائيلي، وخاصة ما يلعبة الشباب العرب في الأحداث الجارية في الواقع العربي المتشكل وما يتركه من آثار مباشرة على الصراع العربي – الإسرائيلي، تجلى باندفاع الآلاف من الشباب العرب نحو الحدود مع الكيان الصهيوني في ذكرى النكبة قبل أسبوعين وفي ذكرى النكسة مؤخراً، الأمر الذي اعتبره الكثير من كبار ضباط الآلة العسكرية الإسرائيلية « خللاً كبيراً في موازين الصراع في المرحلة المقبلة»على حد تعبير قائد الجبهة الشمالية في جيش الاحتلال.
لاعب مركزي جديد
وقال رئيس أركان جيش الاحتلال في تعليق له حول استعداد جيشه لـ يوم النكسة و غيرها من الأحداث على الحدود: « يوجد لاعب مركزي جديد في الشرق الاوسط، إنه الشارع. الجيش الإسرائيلي استخلص الدروس من أحداث النكبة وواضح لنا أن في الأشهر القريبة المقبلة قد نجد أنفسنا أمام تظاهرات شعبية واسعة تحظى بصدى جماهيري». وأضاف غانتس: إن الجيش الإسرائيلي يستعد للتظاهرات في الضفة الغربية (يهودا والسامرة) وفي قطاع غزة. وقال إن هذه التهديدات، إضافة الى طيف من التهديدات الجديدة، يستدعي إطاراً جديداً للميزانية أكثر اتساعاً لجهاز الأمن. للأحداث التالية نستعد بتعزيز وسائل تفريق التظاهرات وسنشتري هذه الوسائل التي لو كانت تحت تصرفنا بالشكل السليم في الأحداث الأخيرة في مجدل شمس، لكان بوسعنا أن نمنعها.
وأضاف غانتس: « إن اجتياز المتظاهرين لحقول الألغام في هضبة الجولان أمر كارثي، مشيراً إلى أنه ارتكبت عدة أخطاء خلال التصدي للمتسللين. وتطرق الجنرال غانتس إلى مصر قائلا إنها لا تعتبر تهديداً لإسرائيل ولكنها أقل استقرارا مما كانت عليه في الماضي..مشيرا إلى أن عملية بناء السياج على الحدود الإسرائيلية -المصرية ستنتهي حتى نهاية العام القادم ما سيساهم في منع دخول متسللين وتهريب الوسائل القتالية. وأكد أن جيشه سيعمل على منع أي محاولة لخرق الطوق البحري المفروض على قطاع غزة.. وقال: «إن منظمي قافلة السفن الجديدة يسعون لإثارة ما أسماها الكراهية والاستفزازات تجاه إسرائيل ولا يفعلون ذلك من منطلق رغبتهم في تقديم المساعدة لسكان قطاع غزة..حسب زعمه
وكان غانتس يتحدث في جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست وذلك لأول مرة منذ تسلمه رئاسة الأركان، ورأى أن الجيش الإسرائيلي سيسعى في المواجهة العسكرية القادمة إلى اختصار مدة القتال قدر الإمكان من خلال استخدام قوة نيران شديدة منذ البداية.. مشيراً بهذا الخصوص إلى تأثير الإعلام وكاميرات التلفزيون على سير المعركة. ولم يستبعد قيام جيشه في المواجهة القادمة أيضا إلى محاربة تنظيمات مسلحة (وصفها بالإرهابية ) تعمل من داخل مناطق مأهولة بالسكان، ما سيكلف الطرف الآخر ثمناً مؤلماً.
قنبلة من العيار الثقيل
مئير دغان الذي شغل رئيس الموساد فجر مؤخرا قنبلة من العيار الثقيل استحوذت على معظم السياسيين والمحليين الإسرائيليين عندما سلم باستحالة القضاء على «الملف النووي الإيراني «ليست لنا قدرة على وقف البرنامج النووي الإيراني – وفي أفضل الاحوال فقط تأخيره. ولكن توجد أدوات أخرى، غير الهجوم، يمكنها أن تعوق البرنامج النووي الإيراني، بدءاً بمنع المعدات والعقوبات والضغط الدولي وانتهاءً بأدوات أخرى. أوصي رئيس الوزراء ألا يأخذ القرار بالهجوم. من المهم فحص كل البدائل المحتملة، وليس مباشرة اختيار الحرب. لا يوجد في هذه اللحظة قرار بمهاجمة إيران، وأنا لا أعرف خطة للهجوم في 2011 أو 2012».
وأضاف داغان في مقابلة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت: «قدرات حزب الله النارية هي في مستوى قدرة دولة، بل وأكثر من قدرة بضع دول في المنطقة. من ناحية قدرة النار لديهم، فهم يغطون كل أراضي إسرائيل، ولن يكون هناك تمييز بين أهداف مدنية وعسكرية. اذا دخلت الحرب، فإنك لن تعرف كيف ستخرج منها».
وتحدث داغان حول أزمة الزعامة في إسرائيل معتبرا: «ان الزعامة في إسرائيل تمثل موضوعاً إشكالياً ومعقداً جداً. جيلي تصدى لتحديات حرب يوم الغفران. كانت لحظات اعتقدت فيها أني سأفقد الوطن. أعترف أن هذا إحساس ذاتي. في اللحظات الصعبة في منصبي كرئيس للموساد كنت أجري اختباراً أسميه «اختبار دان» – على اسم ابني – وأسأل نفسي اذا كنت أرسل ابني الى المهمة.
«اليوم الزعامة لا ترتبط بالمسؤولية. للزعامة علاقة عميقة بالمسؤولية. في الآونة الأخيرة الزعامة لا تنجح في عرض رؤيا، وأنا لا أتحدث عن الحكومة الحالية. مهم أن يحدد الزعماء الأهداف. العقل والقرار الجيد لا يرتبطان بالعمل المختار».
وأعرب دغان عن تقديره أنه:«يجب أن تكون مبادرة إسرائيلية حيال الفلسطينيين. ليس لدينا سبيل آخر، وليس بسبب أنهم يوجدون على رأس اهتمامي، بل بسبب مصلحة «إسرائيل» ورغبتي في أن أضمن وجودها. اذا لم نعرض أمورا ولا تكون المبادرة في أيدينا، فنحن كفيلون بأن نصل الى أوضاع زاوية.»ينبغي إلقاء الكرة إلى ملعب الجار، وأن تكون المعضلة موجهة تجاهه. في كل الخطوات منذ 1994 (بعد اتفاقات أوسلو بقليل) اللحظات التي بادرت فيها «إسرائيل» خلقت وضعا جيدا لنا».
رؤية سوداوية للأوضاع
يعلون رئيس أركان سابق طرح هو الآخر رؤية سوداوية للأوضاع ورأى أن المخاطر والتهديدات التي تواجه إسرائيل في ازدياد مستمر:» هناك الكثير من القضايا تقلقنا، كاستمرار الفلسطينيين في بث روح العداء في نفوس الأجيال الشابة، وعدم وضعهم (إسرائيل) على خرائطهم، وإصرارهم على أن الاحتلال بدأ منذ 1948، وليس منذ 1967، مطالباً إياهم بالإجابة عن جملة من الأسئلة بشأن التسوية الدائمة، تتمحور حول «استعدادهم للاعتراف (بإسرائيل)، ومدى جاهزيتهم لإنهاء الصراع، فضلاً عن الترتيبات الأمنية؛ لأنه لو لم تكن للجيش «الإسرائيلي» حرية الحركة في الضفة الغربية في المستقبل، فستعود العمليات المسلحة مرة أخرى، وهكذا نعيش صراعاً طويلاً».
فيما يتعلّق بالتهديد الإيراني قال يعلون: عندما نحلل خيارات إيران، فأسوأ خيار لديها هو إلقاء قنبلة على (إسرائيل)، واستخدام حزب الله للقيام بهذه المهمة سيكون خياراً أفضل بالنسبة لها، وبلا شك فإن النظام الإيراني متطرف يتحدى النظام العالمي والإقليمي، ويفعل كل ذلك قبل أن يمتلك السلاح النووي.وأضاف:«يجب ألا يُستخدَم الخيار العسكري إلا بعد استنفاد الخيارات الأخرى، ونظام العقوبات لم يكن فعّالاً حتى الآن».
صواريخ تهدد الحلم الصهيوني
من جهته رأى زعيم حزب العمّال الأسبق، الجنرال في الاحتياط، عمرام متسناع، أنّ أقوال رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، حول حدود 1967 إنها غير قابلة للدفاع عنها، هي غير صحيحة «وزاد الجنرال متنساع أنّه بعد مرور عدة أعوام، في سنة 1973، استُدعينا إلى الحرب مرة أخرى، ولم يكن يومها الدفاع عن إسرائيل سهلاً على الرغم من أننا لم نكن على حدود 1967. وحالياً تواجه إسرائيل خطر آلاف الصواريخ، فلدى حماس صواريخ يمكن أن تصل إلى أسدود (اشدود) وبئر السبع، كذلك يمكن أن تصل صواريخ حزب الله إلى حيفا وما بعدها، هذا دون الحديث عن الخطرين السوري والإيراني. فما أهمية كيلومترات من الأرض في مواجهة هذه التهديدات؟ وبرأيه فإنّ خط الحدود ليس هو الذي يمنع أعداءنا من قصفنا بالصواريخ، وإنما عدم استعدادهم لدفع ثمن أي هجوم يشنونه على إسرائيل، وهذا ما يسمى بالردع الذي يشكل عاملاً مهماً في العقيدة العسكرية، وهو أهم من هضبة أو موقع. إضافة إلى ذلك لفت إلى أنّ سيطرتنا على شعب آخر لأكثر من 40 عاماً مضر بأمن الدولة، ويخلق أجواء تشجع على الإرهاب وتهدد الحلم الصهيوني، ولا سيما في ظل الشكوك التي تطرحها عواصم العالم بشأن حق إسرائيل في الوجود حتى داخل حدود 1948. وشدد متسناع في سياق مقالٍ نشره على موقع صحيفة (هآرتس) العبريّة على أنّ العقيدة العسكرية في إسرائيل يجب أن تستند، إلى جانب الردع، إلى العناصر الثلاثة التالية: الجيش القوي والعصري وقوة قتالية صلبة مدربة جيداً وقادرة على الرد على المخاطر الأساسية التي تتهددنا ولا تهدر مواردها في السيطرة على شعب آخر؛ حدود معترف بها واضحة ومتفق عليها ومن مصلحة الطرف الآخر أيضاً المحافظة عليها؛ المناعة الاجتماعية.
استحالة القضاء على المقاومة
وفي السياق ذاته أكد الكاتب الإسرائيلي في الشؤون الإستراتيجية «داني بركوفتش» أن إسرائيل توصلت عبر معظم الدراسات الأمنية والإستراتيجية الإسرائيلية إلى استحالة القضاء على المقاومة، ولذلك فهي تسعى فقط لإضعافها سواء حزب الله في لبنان أم حركة حماس في فلسطين، وخاصة بعدما جربت ولاحظت أنه كلما اغتالت مقاوماً حل محله عدد من المقاومين.
تعليقات الصحف الإسرائيلية توقفت مطولاً أمام تصريحات مجموعة من قادة المؤسسة العسكرية والأمنية السابقين واللاحقين وأخذت تصريحات دغان الجزء الأكبر من هذه التحليلات، فتحت عنوان» اصغوا لداغان»كتبت معاريف تقول: «في حديثه أمام الجمهور، شبه دغان اليوم بالوضع الذي كان عشية حرب يوم الغفران في العام 1973. التشبيه تقشعر له الأبدان. وعليه، قال: محظور الصمت، وعليه فإني أتحدث، كي لا يفاجأ مرة أخرى. لأقواله قوة مضاعفة لأن الحديث لا يدور عن مسالم ما من ميرتس أو مؤيد شاذ لتسيبي لفني. هذا واحد من رجال اليمين ذوي نزعة كفاحية عالية ممن تواجدوا عندنا، وعندما يقول شخص كهذا انه يجب قول «نعم» للمبادرة السعودية،وعندما يحذر مثل هذا الرجل من أنه من الواجب أخذ المبادرة حيال الفلسطينيين، وعندما يقول مثل هذا الرجل أنه ليست للزعامة رؤيا وليست لها مسؤولية، فعلينا أن نكف عن النوم الجيد في الليالي.
اما ألوف بن فقد علق بدوره على تصريحات داغان في مقال له في صحيفة هآرتس: «تحذير مئير دغان العلني أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقود «إسرائيل» الى الكارثة، جعل رئيس الموساد السابق في منصب جديد، رئيس المعارضة. بعد أكثر من سنتين تحكم فيهما نتنياهو تماما بالرسالة السياسية التي تخرج من القدس، وجد أخيراً من يقف في وجهه ويحذر الجمهور من المخاطر الكامنة في الزعامة «عديمة الرؤيا والمسؤولية». رسالة دغان، في خطابه مؤخراً في جامعة تل أبيب، يمكن إجمالها بجملة «ضبط نفس عسكري ومبادرة سياسية». وحسب نهجه، محظور على إسرائيل مهاجمة إيران، وعليها أن تقبل مبادرة السلام العربية. هذا هو. دون شروط، دون ترددات، دون صيغ غامضة. رسالة بسيطة، قابلة للاستيعاب، كل إسرائيلي يفهمها».