رضوان رضوان وعادل رزق وصدر مؤخراً عن دار الريان ويضم الديوان جميع قصائد الشاعر المعروفة الفصيح منها والعامي والتي كتبت بين عامي1939-1989.
وتحدث في الندوة التي قدم لها الدكتور ثائر زين الدين الكاتبان محمد طربية وجمال أبو جهجاه حيث ألقيا الضوء على ما في الديوان وأسلوب إعداده وتناولا حياة الشاعر عصفور وشعره فأكد طربيه أن الشاعر ولد وترعرع في أتون الثورة السورية الكبرى ضد المحتلين الفرنسيين وهو ما يلقي الضوء على شخصيته وسلوكه، وما يفسر ميزات شعره وأسلوبه، وبأن الشاعر كأبناء جيله جيل النهوض الوطني والقومي والاجتماعي، ذاق حلاوة الانتصارات والتحرير والوحدة، مثلما تجرع كؤوس الانكسارات، وكتب قصائده العامية والفصحى على وقع الأحداث الوطنية والقومية التي عاشها، حيث يقول الكاتب رضوان رضوان في مقدمة الديوان: أن عيسى عصفور المولود في عام 1922في قرية أم الرمان على الحدود السورية الأردنية تحدث إليه مراراً بكثير من دواعي الفخر والاعتزاز عن ذلك اليوم الذي مشت فيه قرية أم الرمان تستقبل القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش ليشهد بزوغ فجر الثورة ويشير رضوان إلى ما امتاز به الشاعر عصفور منذ طفولته من نباهة وذكاء وصبر وكبرياء شكلت زاداً له في سلوكه وحياته، وهو الذي شغف بالعربية لغة وأدباً وقرأ التاريخ العربي وأتقن الفرنسية ثم عمل مدرساً ومديراً فقاضياً بعد تخرجه من كلية الحقوق في جامعة دمشق ارتقى أعلى الدرجات، وكان في مجمل حياته وأدبه وسلوكه مثالاً للوطني الأبي والشاعر المعبر عن قيم الأصالة والانتماء المحب لوطنه وأهله وأصدقائه، والقاضي النزيه والشاعر الذي حمل شعره بعده الوطني والإنساني، واشتهرت قصائده وتناقلها الناس بالعامية والفصحى، لما تميزت به من صدق التعبير عن القيم الجمعية كالحق والعدالة والإيمان بأمته ووطنه، والتغني بأمجادها ممجداً قيم التضحية والمقاومة والثورة، ومن هجاء ورفض للظلم والفقر والاستغلال، وتميز أسلوبه الفني بالتمسك بقواعد وأصول الشعر العربي لاعتقاده بأن العرب الذين تسنى لهم بعد الإسلام الاطلاع على تراث الأمم الأخرى كالرومان واليونان والفرس والهند حافظوا على الصيغة الشعرية ذاتها، وضمنوا شعرهم كل المعاني والصور والأفكار التي قادها إليهم التطور والاطلاع والإبداع وقد بقي الشاعر مخلصاً لبيئته وقريته على تخوم البادية، التي نشأ فيها حيث حمل شعره معاني الحنين إلى مرابع الطفولة والشباب في الجبل فها هو يقول: (أبداً يعذبني فراق ملاعبي ويلذ لي في حبها التعذيب )
وقد جمع عصفور في شعره العذوبة إلى الجزالة في اللفظ والسهولة إلى الفخامة والبساطة إلى روح العصر، واستلهم أبطال العرب مؤمناً بحتمية استعادة الحق العربي إذ يقول: (ولنا في القدس حق كالضحى ماثل ما غاب عن أنظارنا.. ولنا حطين أخرى فوقها تمحي فيها بقايا عارنا) والصور في شعره تعبير صادق عن أفكاره وعواطفه ومشاعره المتدفقة وهو الذي ثار لحال الأمة ومجدها الضائع وآمن برسالتها ومستقبلها ويحن إلى لقاء أصدقائه في السويداء فيبثهم لواعج نفسه وخواطر غربته كما في قوله:
تهيّمني حنيني واشتياقي
و هاجتني مناجاة الرفاقِ
ظمئتُ إلى الحياةِ فأنهلوني
بكأسٍ من محبّتهم دهاقِ
وهبتُ الدهرَ أعواماً طوالاً
طويناها على جمرِ الفراقِ
تخذنا الوحدةَ الكبرى شعاراً
صليبَ العودِ يكفُرُ بالشقاقِ
ربوعٌ للعروبةِ ما أفاضت
ومن أجل العروبةِ ما تُلاقي
ويرى الأستاذ عادل رزق في مقدمته إن قراءة شعر الشاعر أجّل من قراءة نقده وإن الاكتفاء بالكشف عن البعد الجمالي للنص يستغفل مضمرات الثقافة واللاوعي الجمعي، موضحاً أن الشاعر عصفور حمل انكسارات المشروع القومي لجيله، وان الغار الشعري انعقد على جبهة الشاعر، فلم يعد الجبل في شعره مكاناً لولادة الشاعر ونشأته بل رمزاً لانتمائه وأصالته
ولم يكن سلوك عيسى عصفور، القاضي ورئيس محكمة النقض، إلا مثالاً لذلك القاضي الذي وصفه في شعره بقوله: ( في بردة نسجها زهد ومأثرة يزينها الخالدان الطهر والورع ) واخلص رزق إلى أن قوة في طرح الأسئلة التي لا تنتهي بإنتهاء القصيدة وقصيدة الشاعر عصفور تطرح الكثير من الأسئلة التي تنتظر زمن الإجابة
وقد أشار الباحث أبو جهجاه والباحث طربيه إلى فقر الديوان بالدراسة والنقد والتحليل وخلوه من الحواشي والتعليقات خاصة وأن الشاعر المرحوم كان أوصى صديقه الكاتب رضوان رضوان، بعدم نشر شعره المبعثر في ديوان، إلا إذا تضمن الديوان دراسة نقدية لشعره، وعندما أدرك رضوان أنه لن يستطيع أن يفي صديقه الشاعر لعارض صحي أصابه استعان بالباحث رزق لإكمال ما كان بدأه فاضطر كل من الكاتبين رضوان ورزق إلى كتابة مقدمتين طويلتين، يوضحان فيهما طبيعة المهمة ونوها بترجمات الشاعر عن الفرنسية والتي بلغت أكثر من ستين كتاباً
وقد أجمع المداخلون من خارج المنصة على أن الشاعر لم يعط ما يستحقه من الدراسة والنقد وأن التباساً وقع في الدعوة إلى الندوة التي لم يحدد طابعها، فوقعت بين الاحتفاء بصدور ديوان الشاعر الذي طالما انتظره محبوه وبين ما تتطلبه الندوة من تناول لديوان الشاعر وما يتطلبه من نقد وتقويم انصب على الكاتب رزق الذي أخذ على عاتقه متابعة مهمة جمع ودراسة قصائد الشاعر حيث تركز نقد الباحث محمد جابر على ما وقع فيه الديوان من أخطاء وتسرع في ديوان عصفور الجبل كما لقبه الشاعر محمد البزم