سينما وطنية مع سبق الإصرار
مشاكسات سينمائية الأثنين 13-6-2011 فؤاد مسعد حمل الفيلم سوري هماً قلّما حملته الأفلام الأخرى ، ذلك الهم هو الهم الوطني بأوجهه المتعددة ، بعيداً عن الطروحات الساذجة وتبسيط الأمور الأساس الذي ترتكز عليه أفلام تُنتج تحت مطيّة
(الجمهور عايز كده) والقصد منها الربح وتهميش عقل المُشاهد ، ولعل واحدة من أهم الميزات التي اتسمت بها الكثير من الأفلام السورية أنها من نوع (السهل الممتنع) التي يمكن قراءتها على أكثر من مستوى وتطرح أكثر من فكرة وقضية ، هناك من قد يراها مجرد حدوتة ، وهناك من يقرأ الدلالات الظاهرة فيها ، وهناك أيضاً من يحلل ويربط الأحداث والدلالات والرموز ليخرج بحالة أعمق تغوص فيما تطرحه تلك الأفلام من رؤى وهواجس . كما عمد العديد من المخرجين إلى أسلوب الكوميديا السوداء من مبدأ المثل القائل (الطير يرقص مذبوحاً من الألم) ، فيوصلون فكرتهم من خلال مشاهد تتمازج فيها الابتسامة مع الدمعة والألم .
وبعيداً عن تحليل كل فيلم على حدة ، وبعيداً عما يُمكن أن يتوجه النقاد به من نقد للأفلام قد يكون قاسياً هنا أو موضوعياً هناك أو حتى يكون مهادناً ومتسامحاً في أماكن أخرى .. بعيداً عن ذلك كله ، يمكن أن نستشف سمات عامة قد تتميز بها مجموعة من الأفلام لكنها في مجموعها سمات تبرز البعد الوطني والقومي في كل ما يُطرح . فهناك أفلام شكّلت ذاكرة روحيّة منسوجة من عمق الأحداث ، قدمت الأحلام المجهضة التي تكسّرت على صخرة الواقع وعذابات المواطن العربيّ وعكست استقراءً لألم مرحلة من التاريخ ، مسلطةً الضوء على آليّة التعاطي معها وكيفيّة الفهم الشعبيّ لها ، واضعة يدها على جرح الفساد فاضحة أساليبه وآلياته وأفقه ومدى الخراب الذي يمكن أن يُحدثه ، وبالوقت نفسه راصدة تشكّل الوعي ونضجه نحو أفق أكثر تنويراً وحداثة ، طارحة موقفها من تقاليد وتابوهات المجتمع العربي البائدة منتقدةً نظرته الدونية للمرأة ، متناولة الكثير من الموضوعات المسكوت عنها ، حتى أنها ذهبت إلى أماكن أبعد لتفتش عن الذات في العمق الإنساني ضمن المجتمع العربي ، كما أن هناك أفلاماً أظهرت تجذّر الحضارة في سورية وعمق أصالتها ، وخلقت حراكاً إبداعياً وفكرياً يمكن قراءته في أحد أوجهه أنه فكر مقاوم يؤكد على الهوية والانتماء وحق العودة ومقاومة المُحتل والدفاع عن الأرض ، فكان لقضية فلسطين حصة كبيرة مما تم إنتاجه من أفلام ، كما إن الجولان الجرح النازف كان حاضراً من خلال أفلام تؤكد فيما طرحته من أفكار هويته السورية ورفض أبنائه للهوية الإسرائيلية وللاحتلال .
تلك كانت قراءة أولية في سمات يمكن لمتتبع حراك الإنتاج السينمائي السوري أن يرصدها ويتعمق فيها ليكتشف كم تحمل تلك الأفلام من أفكار ومضامين قد يكون بعضها نجح في إيصالها أو عجز البعض الآخر عن ذلك ، ولكنها في المجمل تحمل هماً وطنياً خالصاً .. مع سبق الإصرار والتصميم .
|