لماذا لا نجرب كتابة الأحداث عارية بلا أرقام؟ فما الفرق إذا كانت قد حدثت منذ ألفي عام وتحدث الآن وكل أوان وستحدث إلى الأبد.
حقاً ما هو الفرق؟
وأنا أعدكم عندما تفرغون من قراءة هذا النص ستغفرون لي إغفالي للأرقام والتواريخ. نحن الآن نعيش في عالم بلا حكومات ولا أنظمة حكم ولا منظمات إقليمية أو حتى دولية, عالمٌ غريب!
وأغرب ما فيه أن الإنسان لا يزال يسير في الشوارع بأمان كما في السابق, ويعمل في النهار وينام طوال الليل، فالرجال ينالون ما يشتهون, أما النساء فما زلن مواطنات درجة ثانية.
كل شيء على طبيعته، فأميركا اليوم هي ذاتها أميركا بوش أو أوباما، وكوبا هي ذاتها أيام كاسترو، وصراع الشرق والغرب.... وتناقض الشمال والجنوب.
لم يكترث أحد لعدم وجود الحكومات باستثناء جماعة أطلقت على نفسها اسم (هيئة البحث عن أسباب انقراض الحكومات)، ولأخذ العلم هذه الجماعة لم يكلّفها ولم يسمّها أحد بهذا الاسم، بل تشكلت على مسؤولية أعضائها الشخصية، وكلفت نفسها البحث عن أسباب اختفاء الحكومات. بدأت هذه المجموعة بدراسة ما توفر لديها من كتب التاريخ الإنساني، وعبر عدة أجيال لم يحصدوا إلا نتائج متناقضة لدرجة جعلت اليأس يبلغ منهم مبلغه، وحين وصلوا إلى هذا الحد أحرقوا جميع الكتب التاريخية وأعدوا قائمة من الأسباب التي استخلصوها، ثم اقترح أحدهم ذات يوم, وبشيء لا يخلو من الجنون, أن يرسم على أرض قاعةٍ من قاعات المتحف ما يشبه رقعة شطرنج، ويرسم في كل مربع رسماً رمزياً يعبر عن أحد الأسباب الموجودة في اللائحة, وفي يومٍ معين من كل عام يتم الاقتراع برمي قطعة نقدية على الرقعة، ويُعتمد السبب الذي تقع عليه القطعة النقدية سبباً لانقراض الحكومات، مثلاً إذا وقعت القطعة على رسم البركان تصرّح الهيئة أن البراكين والكوارث الطبيعية وإهمال الحكومات لإجراءات الأمان هو ما أدى إلى انقراضها.
عامة الناس أخذوا الأمر في البداية بشيءٍ من التندر والدعابة ومع مرور الزمن أخذوا يطلقون السبب المعتمد اسماً للعام المقبل، فأصبح لديهم تقويم جديد فيه عام البركان وعام القحط وعام الحرب وعام النهب.........إلخ.
جيلاً بعد جيل تعرّض التقويم المرسوم على أرض المتحف لشيءٍ من التلف، وأحد المربعات فَقَدَ رسمه الرمزي بفعل عوامل الزمن وأصبح العام الذي يقابل هذا المربع يسمى عام الفراغ، إلى أن وصلتني رسالة عبر البريد الالكتروني غيّرت رأي آخر أسلاف تلك الهيئة وهذا نص الرسالة:
أنا الموقع أدناه ليث بن علي بن هاشم أصرح لهيئة تحديد أسباب اختفاء الحكومات بأنني ورثت عن جدي الثالث المدعو أسامة الذي ينتهي نسبي إليه، وعنده مخطوطة كتبت بخط اليد لأنه مات قبل أن يتقن الكتابة على الكومبيوتر وهو بالأصل أحد فلاحي القرن العشرين، تفيد المخطوطة بأنه كتب ذات يوم قصة قصيرة يتوقع فيها انتهاء الحياة البشرية على وجه الأرض، بسبب سوء توزيع القمح، فهو كثير في مكان وشحيح في آخر.
نُشرت القصة في إحدى الصحف الورقية المتداولة في ذاك الزمن ولم يُعرف مصير صاحبها، وبناءً عليه وعلى مسؤوليتي الخاصة أقترح تسمية عام الفراغ بعام توزيع القمح، من يدري ربما أتت نبوءة جدي مقلوبة.
التوقيع
ليث بن علي بن هاشم في العاشر من الشهر الثامن من عام القمح.