إنه الكاتب والشاعر باسم سليمان الذي رغبت بتوجيه بعض الأسئلة إليه, عقب قراءتي لمقاله المنشور في إحدى الصحف المحلية تحت عنوان ( أديبات كالفطور دون رعد ولا برق ) .
} كتبت في مقالك (تكتب تلك الأديبات وعينهن على الأب الذكر, من ناحية يردن شراء رضاه وأعرافه بكمٍّ من الروحانية فيما يكتبن, فلا تجد لرائحة الجسد في كتابتهن إلا تلك التي تصبغه بالدناسة ) السؤال هو: بغض النظر عن الدناسة أو القداسة, ماالذي تضفيه (رائحة الجسد) على النص الأدبي بشكل عام؟ وهل هي هدف أم مجرد نكهة إضافية تطيب الطعم؟
}} في رواية العطر ل «باتريك زوسكند» يولد البطل بلا رائحة, وفي بحثه ليصنع لنفسه رائحة كالبشر يكتشف الرائحة التي تمنح السعادة القصوى للبشر ومن خلالها كان بإمكانه أن يسيطر على العالم, لكنه يرفض ذلك ويذهب لمكان ولادته -سوق السمك- ويسكب العطر على جسده, فتهجم قطعان البشر المشردة هناك وتلتهمه وهي تشعر بسعادة غامرة, فلأول مرة أحستْ بالحب والحياة والوجود وأحس هو أيضاً.
إن نقصان الرائحة, تعني غياب الجسد/ الوجود وهذا ما كان ينقص بطل رواية زوسكند, فالروح لا تحل إلا بجسد وما تلك الروائح إلا تجليات الروح عبر وسيطها, الجسد, والرائحة تعني هنا كل ثنائيات الحياة من أرفعها لأدناها والرائحة بالنسبة للأنثى وجودها الحق وهذا ما لا يريده الرجل بذكوريته لأن غيرته من ذكور سيشمون رائحتها وكأن القضية لديه هي منافسة على مغنم في حين الرائحة بالنسبة للأنثى هي عين الوجود الفاعلة وعند غياب الرائحة سيكون غياب الوجود.
}أنت ترى أن الكتابات النسائية تفتقد السخرية والتهكم كفعلين لتفكيك منظومة ما. فكيف فعلت ذلك الكتابات (غير النسائية)
ومن فعل ذلك بالتحديد في سورية؟.
}} ما بين السخرية والتهكم فرق, فالسخرية تتوقف عند التعليق وللكاتبات في ذلك بعض من اجتهاد, ولكن التهكم لم تخضه الأنثى السورية بعد والتهكم يعني الهدم والبناء وهذا نادراً ما ظهر في الكتابات الأدبية حتى لدى الرجل ولكنه ظهر في كتابات من نوع آخر كما لدى أحمد داود المؤرخ وجلال صادق العظم في كتاباته النقدية و محمد شحرور على صعيد الكتابة الدينية وإذا كان لابد من ذكر أنثى في ما يخص الكتابة الأدبية تبقى غادة السمان الأكثر حضوراً ولدى الذكور أدونيس.
}في مجموعتك القصصية (تماما قبلة ) لاحظت حضوراً كثيفاً للجسد إلا أنه حضور غامض مبهم .
هل أردت أن تسير به إلى أبعاد ومدلولات نائية ؟
}} حضور مبهم!؟ أم حضور فيزيولوجي. إنه حضور فيزيولوجي, النفس والجسد معاً, فالوصف المباشر للجسد يصبح أقرب للبورنو ولكن تطعيمه بدلالات نفسية وفكرية, ينقذه من تعسف المباشرة ويدخله في التأويل ليفتح للقارئ التخييل وهذا ما رغبته, أما لجهة نائية أرجو أن يكون ذلك حدث فعلاً!؟.
} موضوع الجسد الذي قاربه الأدب بطرق ومستويات مختلفة عبر التاريخ, كيف يختلف عن موضوع الجسد الذي تروج له قنوات الاتصال الجماهيرية كالفضائيات ومواقع الانترنيت؟ ما الفارق الجوهري بين الحالتين؟
}} لا يختلف كثيراً, فعبر التاريخ كان هناك السطحي والعميق ولكن بقاء العميق هو ما يظهر الفرق مع أنه في الوقت الحاضر يغيب العميق لصالح السطحي . في الماضي كان الكلام والاستماع والكتابة وكل هذا لا يُوقف المتلقي فيها متفرجاً كسولاً, عكس الحاضر حيث الصورة ببعديها تنفي بُعد التفكير عنها وتقدم متعة عابرة مثلها.
المعنى في الوجود الإنساني مثل الساق للشجرة والشكل مثل أغصانها وأوراقها وثمارها تتبدل كثيراً لكن المعنى واحد . العالم أضيق من خرم الإبرة ومازال الإنسان يكرر ما فعله منذ لحظة خروجه من التراب والفيل لن يدخل من سم الإبرة.
} باعتبارك كاتباً شاباً تطمح لتقديم نص جديد كما يبدو خاصة في ديوانك الشعري ( لم أمسس), هل تشعر بالحاجة لوجود ناقد جديد لهذه النصوص ؟
}} أقول: الأدب هو الحصان, والنقد هو العربة, هذا هو الشكل الصحيح للعلاقة بين الأدب والنقد, دوماً الأدب يعمل على استكشاف أراض جديدة, ومن ثم يأتي النقد لينشئ فيها المدينة فيرفع عمائرها ويفتح شوارعها. الكتابات الجديدة تحتاج إلى ناقد جديد, ناقد مشبع بالنظريات القديمة, إلا أنه قادر على إعادة قراءة النص وفق ما يطرح من رؤى. هناك لعبة شطرنج ما بين النص والناقد, وعلى النص دائماً أن يقول للناقد: كش ملك, دائماً هو متقدم عليه, النص هو القافلة, والنقد هو الآثار.
} و ما قولك في علاقة النص الجديد بالقارئ؟
}} قارئ اليوم هو قارئ متخلف في أغلب الأحيان, فهو غير ملقح بنصوص تقوده إلى فتح عملية التناص على الجديد, ربما لضحالة ثقافته, وعلى القارئ اليوم أن يقرأ الكلمة ضمن محيطها, وليس في إطار إرثها.