بجيل مسكون بهذا العشق لأجمل اللغات لغتنا العربية التي هي حضننا المنيع ضد كل ما يحيق بنا من مخاطر الغزو بأشكاله..
أحمد الخوص يشكل ظاهرة لافتة في عناده وصبره للوصول إلى مبتغاه ونشر كل قطوف وثمار اللغة التي دأب على ريّها بالمتابعة والبحث والقراءة ليصدر الكثير من السلاسل.. والكتب والقصص التي تجعل من النحو والإعراب أسلوباً محبباً ورشيقاً لكل من يقرؤه.
ولعل الحوار الذي أقيم منذ أيام في المركز الثقافي بالمزة.. حاملاً عنوان: حول تمكين اللغة العربية (تجربة أحمد الخوص نموذجاً) حيث قدم كل من د. خليل موسى ود. حسن حميد قراءة لتجربة الخوص واصفين إياه بالجندي المجهول، الذي يعمل في الظل.. ليضيء دوب الآخر باشتغاله النبيل على الكلمة.
يرى د. حميد أن الخوص قد فاجأه بعدما رآه معتقداً مما سمعه وقرأه عنه من الآخرين نقداً أو مديحاً.. حول تجربته بأنه شاب في مقتبل العمر يضج بالحيوية والطموح يتميز بموهبة الشرح والتأويل والبناء.. كحيوية الشباب.. ولكن ذات يوم طرق باب بيته ليطل رجل أطلت به صورة نيتشه إلى ذاكرتي الذي تميز بقوة الإرادة وإرادة القوة.. وجدت رجلاً يكاد ضعفه الجسدي أن يهوي به وإذا هو أ. أحمد الخوص..
د. حميد من لحظتها.. والخوص لم يفارقه أبداً لا قراءة ولا دعماً وشحذاً لهمته في المتابعة رغم كل الانتقادات.. واظب د. حميد على الوقوف إلى جانبه، وكأنه يد يستند إليها.. في مشيته المثقلة بالتعب والعناد على الثبات..
ملامح حياتية
يقترب د. حميد في شهادته.. من حياة الخوص التي وصفها أنها تحمل في جنباتها.. وبين سطورها عذابات وأسى.. أذاقته الحياة كؤوساً مترعة منها ولكنه محارب عنيد ويستحق الحياة بجدارة.. المنتصر متفرداً منفرداً وحيداً.. استل قلمه بذراعه السليمة لينير بها دروباً وعقولاً.
رحلة الميل تبدأ بخطوة.. وعند أحمد الخوص.. بداية الميل من عمله مستخدماً في دوائر الدولة.. إلى تجاوز الميل بألف ميل إلى أن يصبح لغوياً أفاد وخدم اللغة العربية..موصلاً جل عمله إلى طلاب سورية والجزائر.. وبذلك يستحق لقب /علم من أعلام اللغة العربية الكبار/.
الخوص.. صحح مفهوم الوصول يعني النهاية.. إلى مفهوم أكثر صحة وأملاً بالعمل الدائم.
الوصول.. هو بداية البداية.. لدرب آخر.
سلاسة النحو
في أسلوبه اعتمد التبسيط.. مع ذكر الأمثلة.. والقواعد بأسلوب رشيق قابل للاستيعاب لكل الشرائح، حيث ابتعد عن الشروحات المعقدة للوصول إلى القاعدة.. بشروحات أكثر سهولة وليناً على عقل قارئها.. والطلاب بشكل خاص.
د. حميد قدم شهادة.. على لسان د. عبد الملك مرتاض- رئيس مجمع اللغة العربية بالجزائر حيث قال د. مرتاض: (نحن نعترف بفضل أساتذة الشام علينا، طلاباً وأساتذة وهم الذين أعادوا اللغة العربية إلى مدارسنا وعلقوا قلوب طلابنا بهذه اللغة الشريفة وقد كنا بحاجة إليهم دائماً، لكن وقد غدت كتب أحمد الخوص بين أيدينا فقد أغنتنا عن الحضور العياني لأساتذة الشام، فهذه الكتب والمؤلفات كفيلة أن تقوم بالدور اللغوي الذي كان يقوم به أساتذة الشام الكرام.
جسر الهوة
يشير د. خليل موسى إلى ما مرت به اللغة العربية من مطبات على مر الأزمان وحسد أخواتها من اللغات الأخرى عبر أيد حاولت تشتيت أبجدياتها.. ويأتي على ذكر مثال مضى عليه قرن كامل، حيث مضى إلى الأديب والشاعر حافظ ابراهيم 1903 في قصيدته /أم اللغات/ التي تنبئ ونبه إلى ما يحيق باللغة العربية من مخاطر.. تترصدها عند كل غزو واستعمار طرق أبواب بلادها، وإلى الآن مهددة بما أنجزه العالم.. عولمته المدللة.. التي ألهت جيلاً بأكمله.. عن الغوص في درر لغتنا الجميلة.. التي تكتب مشاعرنا وتعبر عنها أكثر من أي لغة عالمية لأنها في البدء لغة القرآن الكريم.
مهمة الكثير من اللغويين والنحويين تحصين هذه اللغة ومدها بالحياة عبر فتح النوافذ كلها..
من هنا يرى د. موسى أن دور أحمد الخوص كباحث ومنقب ومجمل لهذه اللغة لهو بمثابة الرسالة المقدسة التي يؤديها تجاه اللغة /الأم/ والجيل/الابن/ وبذلك ورغم رهان البعض على فشل وانتهاء تجربة الخوص وكفاحه في محراب اللغة إلا أنه خذل عرّافي التكهنات بإصراره على العطاء منذ 32 عاماً وإلى الآن، عثرات ومطبات كثيرة اعترضته.. وأكمل دونما التفات.. ليصل إلى ما ابتغاه البعض... آمن بمشروعه اللغوي الذي ومهما كان فيه مما لا يعجب البعض إلا أنه يستحق رفع القبعات احتراماً وعرفاناً بما قدمه... على الصعيد التربوي واللغوي والوطني..
يضيف د. موسى واصفاً ما أتى به الخوص على أنه تميز بتجربته فيما ذهب إليه من أهداف بالبساطة الواضحة.. على عكس ماذهب إليه الباحثون في اللغة والاختلاف على قواعد ومدارس ومقولات كثيرة..
يصف د. موسى.. أحمد الخوص بأنه رجل تنويري.. لم تكن اللغة وحدها بين عينيه وإنما حسه الوطني والديني والإنساني كلها مجتمعة غذت هذا بأهمية لغتنا.. واستحقاقها لأن نكتشفها.. وندرك غناها.. كما فعل الخوص.. الذي آمن بأهمية هذه اللغة فأولاها كل اهتمامه ونذر عمره ليكون راهباً في محرابها.
يقول د. موسى.. إن الخوص يعمل الآن وكأنه مفرد بصيغة الجمع أكثر من طاقة في جسد واحد.
في النهاية.. الإيمان هو من يوصل المؤمن إلى قلب الحقيقة.. وكأن هذا حال الباحث اللغوي أحمد الخوص.. الذي يستحق بحق كل تقدير واحترام على ما خطه في سفر اللغة العربية.. صوت أضمه إلى أصوات.. قالت بصوت واحد:شكراً واحدة لا تكفي.. لك أيها المعلم المناضل.. الذي يعمل كفلاح يدرك قيمة كل ذرة تراب امتزجت بعرق كفيه.. نبل ما بعده نبل أن تمنح الآخر ضوء عينيك.. ليرى بهما جمالاً..
فقط احتاج لإزاحة الغبار عن كنوزه..
يستحق أحمد الخوص الشكر والتكريم.. وتثمين عطائه والوقوف إلى جانبه.. بكل السبل لأن الهدف النبيل مهما اعترضه أو أصابه من هفوات.. يبقى هدفاً سامياً.. لأنه يحمل اللغة العربية تاجاً.. علينا ألا نضيعه في غزوات الوهم.