ونهب خيراتها الطبيعية والبشرية في إطار عملية التراكم الرأسمالي على الصعيد العالمي التي تقوم على تصدير رؤوس الأموال إلى البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة للقيام بالتحديث الكولونيالي الذي يخدم آلة التوسع الرأسمالي وأهداف الشركات الرأسمالية الاحتكارية فإنه في زمن عصر الاستعمار الجديد (مرحلة ما يسمى الاستقلالات الوطنية) ارتكزت السيطرة الكولونيالية الأوروبية ولاسيما منها الفرنسية على إفريقيا من خلال إقامة القواعد العسكرية وربط عجلة اقتصاد البلدان الإفريقية بالمتروبولات الرأسمالية الغربية لتكريس تبعية تلك البلدان.
في زمن العولمة الليبرالية التي عمت الكون بعد نهاية الحرب الباردة شهدت البلدان الإفريقية أزمات عديدة (الكونغو، ليبريا، ساحل العاج، أنغولا، تشاد، جنوب السودان، الصومال، الخ) لكنها من طبيعة مختلفة عن تلك التي عصفت بالدول الافريقية في السنوات التي أعقبت الاستقلالات فنضالات الحرب الباردة الايديولوجية أعقبتها حالة من اللاإستقرار المزدوج وذلك بفعل الالتحاق بحماسة بالعولمة الاقتصادية من جهة ومن جهة أخرى بسبب ارتجال الديمقراطية في دول تفتقر إلى الوسائل وقد أفضت هاتان الظاهرتان إلى نزع الشرعية عن حركات البناء الوطني الناشئة وإلى تحويل سيادة هذه الدول مجرد وهم.
ففي زمن هذا الاطار الاقتصاد الجماعي الليبرالي المتفلت الجديد وأعمال الخصخصة المتوحشة وبرامج الإصلاح البنيوي المتفككة المتسارعة والبرامج الاجتماعية المقنعة واستغلال اليد العاملة بشكل وقح وأسعار المواد الأولية الزهيدة والاحتيال والإجراءات التجارية التي لا مصلحة للبلاد فيها استغلت الشركات متعددة الجنسيات ضعف الدول الإفريقية وتهاون الأنظمة الإفريقية الذي قاد إلى إعدام السيادات لبلدانها وفساد الحكام الأفارقة وانتقال سيادة بعض الدول الإفريقية إلى السلطة المباشرة لوزارة التعاون الفرنسية (فرانس أفريك) ارتهنت العديد من البلدان الإفريقية لمصالح الشركات متعددة الجنسية التي سواء أكانت أوروبية أم أميركية عمدت إلى إخضاع أجهزة الدول وترويضها فهي عملياً محت الحدود الموروثة عن الاستعمار وعدلت إلى حد بعيد في طبيعة دول القارة عبر استتباعها أو جعلها مكاتب مراقبة.
وليست النزاعات العرقية في الغالب سوى واجهة لحسابات المصالح التي تقوم بها السلطات الحاكمة أو الشركات متعددة الجنسية فهذه الأخيرة وظفت النزاعات الاقليمية أو المحلية من أجل الحصول أو الحفاظ على بعض الأسواق والتنازلات ولذلك جرى التنديد بدور شركات تصنيع الخشب في تفكيك ليبيريا والكونغو كينشاسا من جانب منظمات غير حكومية.
من وجهة نظر المحللين الغربيين الملمين بالشؤون الإفريقية تتمثل عودة الكولونيالية الغربية إلى إفريقيا في التدخل المباشر من جانب الشركات متعددة الجنسية الذي يقوم على أساس قواعد نظام العولمة الاقتصادية في شؤون الدوائر الرسمية الإفريقية حيث ولد خلطاً بين القانون العام والقانون الخاص ففي الواقع فإن الأمور الرسمية لا تدار وفقاً للقوانين العامة للإدارة الرسمية وإنما وفق القواعد القانونية للحق الخاص فمعظم رؤساء الدول الإفريقية لا يفكرون كرؤساء جمهوريات ضامنين للمصلحة العامة وإنما يتصرفون كرؤساء مجالس إدارة فإدارة قطاعات النفط أو الذهب أو الماس وبيع المحاصيل الزراعية والموارد الطبيعية (المعادن والخشب) تفضي إلى تصرفات عشائرية وحتى إلى الولاءات الإقطاعية من توقيع عقود استثمار المواد الأولية (عمولات) إلى توزيع القيمة المضافة المرتفعة جداً المحصلة لدى البيع في السوق العالمية.
لقد باتت الشركات متعددة الجنسيات المرتبطة بمصالح الدول الغربية الإمبريالية هي التي تصنع السياسة الخارجية لبعض الدول الإفريقية فضلاً عن ممارستها لأبشع أنواع الاستعمار الكلاسيكي ويرى الباحثون والمحللون الغربيون أن إقدام المستثمرين الغربيين على شراء الأراضي الخصبة الإفريقية سيكون له أثر سلبي على اقتصاد الدول الإفريقية وخصوصاً ذات البنية الزراعية ولاسيما أنهم يعتزمون تجريف هذه الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مؤسسات أكاديمية استثمارية في المستقبل وهو أمر من شأنه أن يترتب عليه كوارث بيئية ومعضلات اجتماعية في أفقر دول القارة السمراء.
وكشفت دراسة جديدة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 8حزيران الجاري أن جامعتي هارفارد وفانديرفيلت الأميركيتين والجامعات الغربية الأخرى تستهدف في الوقت الحالي حوالي سبع دول إفريقية من أجل الاستيلاء على أراضيها وشراء هذه المساحات الواسعة من الأرض الإفريقية والتي دعمت استثماراتها من خلال الأموال الطائلة التي تنصب عليها كالسيل المدرار من صناديق التحوط البريطانية التي تعزز استثماراتها في القطاع التعليمي والأكاديمي وأشارت مصادر قريبة من هذه المؤسسات إلى أن التمويل الأساسي يأتي بمشاركة بين صناديق التحوط البريطانية وعلى رأسها مجموعة إيميرجنت البريطانية لإدارة الأصول القابعة في المملكة المتحدة التي تدير أحد أهم الصناديق الاستثمارية في المنطقة وهو صندوق التحوط الذي تديره مجموعة جي بي مورغان وغولدمان ساكس وهو الصندوق الذي يعتقد باحثون غربيون أنه عزز استثماراته من جانب العملاء الأميركيين وعلى رأسهم الجامعات الأميركية حيث تشير التقارير إلى أن الجامعات الأميركية وحدها ضخت أكثر من 500 مليون دولار أميركي في هذه الأراضي في القارة الإفريقية وهي الأراضي الأخصب تربة في القارة السمراء وهو ما نال انتقادات حادة من جانب النشطاء البيئيين والمنظمات البيئية في إفريقيا التي قالت إن هذه الاستثمارات ستجرف التربة الزراعية في إفريقيا.
ومن الواضح أن هذه الأراضي الزراعية في القارة السمراء التي يعتمد عليها مزارعو إفريقيا للعيش منها ستكون في قبضة الشركات متعددة الجنسيات التي تستخدم المؤسسات التعليمية الرائدة في العالم الأميركية والأوروبية كواجهة في الآونة الأخيرة للاستيلاء على الأراضي في قارة إفريقيا (تنزانيا وإثيوبيا وجنوب السودان وموزمبيق) وإخراج أهلها منها بعد شرائها بمبالغ زهيدة من أجل إقامة أفرع لها في تلك المناطق.
كاتب تونسي