والطبيعة والتفكير. ولكن الصورة في الوجود الإنساني، والعلاقات بين الأمم ودولها تختلف وتعارض- أحياناً- ما تم تقديره في الفلسفة وعلم الاجتماع لنرى أن التاريخ ها هو يكرر نفسه ولو بحدث يبدو جديداً في الزمان والمكان.
وبناء عليه فالحدث الذي بدأه الجنرال الاستعماري غورو من بيروت عام 1920م حتى يمنع السوريين من تشكيل دولتهم، وتقرير مصيرهم بإرادتهم الوطنية،ويعلن بداية عصر سايكس بيكو وما فيها من تقسيم للجغرافيا العربية وللأمة العربية بين دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى 1914-1918م، وما فيها من خلق أقطار عربية تحكم سياسياً واقتصادياً، واجتماعياً بروح سايكس بيكو لزمن غير محدود حتى تتحقق ظروف إرغام العرب على قبول إنشاء كيان صهيوني على أرض فلسطين العربية تطبيقاً لوعد بلفور.
ومنذ العام 1920 لا يملك العرب- من وجهة نظر فرنسا وحلفائها- مشروعية وشرعية قيام دولتهم فالشرعية من عند الغرب الإمبريالي وليس من إرادة الشعب وسيادته وقيم استقلاله.ونذكرجميعاً زحف غورو على دمشق ومعركة ميسلون وبدايات حرب الاستقلال السورية حيث انتهت عام 1946 م.
واليوم نرى الحدث الفرنسي يتكرر على لسان آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا الذي ادعى لنفسه حق توزيع شرعية قيادات الدول أو سحبها،وكأن جيوش الاستعمار القديم مازالت في المنطقة العربية. وإرادة المفوض السامي هي صاحبة القرار.ثم كأن الدولة السورية ليست ذات سيادة ولها قيم استقلال تنطلق منها في التعامل مع كل من تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، أو كأن القانون الدولي لا ينص على عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للأمم ودولها الوطنية.
نعم هنا التاريخ يكرر حدثه بصورة متقاربة حيث إن التنكر لشرعية الدولة وقيادتها ونفي مصادرها الحقيقية من أجل ادعاء القدرة على الضغط الخارجي، وعدم الأخذ بعين الاعتبار أي تشريع دولي في هذا الخصوص.
وهنا نصبح أمام حقيقة جديدة في العرف السياسي لدول الغرب الإمبريالي وهي تشير إلى أن مصالحهم وبراغماتيتهم هي ذاتها مصالح الصهاينة وبراغماتيتهم،وعليه فالتوجه نحو إلغاء نصوص من القانون الدولي سيبقى وارداًكلما اقتضت هذه المصالح. مع أن التاريخ الذي وضع فيه القانون الدولي وهو في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 م قد تم الاجتهاد فيه كي يتمكن العالم من العيش في نظام دولي إنساني تستبعد فيه الحروب العالمية - كما جاء على لسان الرئيس الأميركي ترومان- على حق الشعوب في تقرير مصيرها دون تدخل خارجي، وقد تم التأكيد فيه على عالم القيم الإنسانية والمبادئ.
أما اليوم فيشعرنا جوبيه بأن سورية ليس لها حقها في الشرعية المنبثقة عن إرادة الشعب، وقرارها الوطني المستقل بل عليها أن تصغي للإرادة الاستعمارية، وأن تعمل على أساسها، ومن أبو ظبي يجد السيد جوبيه نفسه غورو الجديد وهو بهذا السلوك يتخطى كل قيمة في القانون الدولي، وكل عرف في الدبلوماسية العالمية القائمة على احترام سياسات الدول،والتعاون معها على حل القضايا الداخلية لا تهديدها بنزع الشرعية عنها، ويحضر ببالنا السؤال للسيد جوبيه وهو: ألم ير ما فعلته إسرائيل- على مدى تاريخها العدواني في جرائمها ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني والعرب المحتلة أراضيهم؟ ومن ثم ألم تر السياسة المتغطرسة لإسرائيل في احتقار وتحدي إرادة المجتمع الدولي وقراراته ذات الصلة بعودة الحقوق لأصحابها، وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير؟! ألم ير ما فعلته أميركا ومعها أوروبا في أفغانستان والعراق؟!
هل حقاً لا يرون أم إنها إرادة الاستعمار في كل عصر هي التي جعلت جوبيه يرى الملثمين في غزة إرهابيين، ويرى الملثمين في مدن سورية متظاهرين سلميين؟! وهل في مثل هذا العقل الاستعماري ما يقنع الشعب العربي بسلامة النية في التعامل الندي على الصعيد الدولي؟! إننا منذ اللحظة الأولى التي طرحت فيها أفكار التغيير ورياح الديمقراطية في ثمانينات القرن الماضي، قلنا في سورية نتمنى أن تأخذنا إلى عالم الديمقراطيات الوطنية وعالم الديمقراطية الدولية، الدولية لكن مع الأسف اتضح لاحقاً أن الليبرالية الجديدة قد استهدفت هدم عالم المبادئ وسياساته العادلة، وإقامة عالم التنازع، والخطاب الحربي والتدخل المباشر بالشؤون الداخلية للأمم المختلفة.
وبناء عليه فالذي يحرك سياسة جوبيه هو خلق الشروط الداخلية في سورية، من أجل شرعنة التدخل الدولي الخارجي فيها على غرار العراق وليبيا، وفي هذا السبيل يعرض صفحاً عن جميع ما أصدرته سورية من مراسيم إصلاح، وإجراءات للحوار الوطني على قاعدة الشراكة في الوطن الواحد، ليروا الملثمين أحراراً يخربون سورية، ويهدمون منجزات الشعب، فالملثم هو الإصلاحي بامتياز عندهم والشعب وإرادته مكون غير منظور ولاحق له في تقرير مصيره، وتحديد خياراته، وإقامة نظامه السياسي بمنظوراته ومبادئه.
وإزاء هكذا سياسة تأتي كلمة الشعب في سورية / لا/ بوجه جوبيه غورو الجديد- وسورية متمسكة بعالم المبادئ ضد من يتمسكون بسياسات التبعية والانتظار للقدوم على دبابات الغرب المتعهدين.