تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تقرير غولدستون.. تنازل مأساوي للمعتدي

أضواء
الخميس 8-10-2009م
لا يزال الزلزال السياسي الناجم عن الطلب من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة تأجيل البحث في تقرير القاضي الجنوب افريقي ريتشارد غولدستون حول جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل خلال الحرب على غزة يتفاعل فلسطينيا وعربيا ودوليا .

وبعد أن نفت جميع الاطراف العربية والاسلامية مسؤوليتها عن طلب التأجيل، حاصرة المسؤولية في السلطة الفلسطينية، طلب الرئيس محمود عباس تشكيل لجنة تحقيق في خطوة وصفتها بعض القوى السياسية الفلسطينية بأنها محاولة للتمويه على المسؤول الفعلي، باعتبار أن قرارا بهذا الحجم لا يمكن اتخاذه الا من قبل أعلى الهرم في السلطة الفلسطينية، ومن غير المعقول ان يكون المسؤول في هذه الحالة مجهول الهوية.‏

وقد تعرضت السلطة الفلسطينية لانتقادات واسعة من مسؤولين فلسطينيين وعرب اتهموها بطلب التأجيل رضوخا للضغوط الاسرائيلية والاميركية.‏

وفضلا عن اجماع الفصائل الفلسطينية على إدانة طلب التأجيل ، اعتبرت 14 منظمة حقوقية فلسطينية مستقلة القرار تغليباً للسياسة على حقوق الإنسان وإهانة للضحايا وتنازلاً عن حقوقهم.‏

ورأت المنظمات أن الدواعي التي بررت بها السلطة الفلسطينية تأجيل التصويت غير ملائمة، موضحة أن الادعاء بعدم توافر الإجماع لمصلحة القرار لا يمكن قبوله، لأن الإجماع ليس مطلوبا لصدور القرار عن مجلس حقوق الإنسان، حيث تعمل مؤسسات الأمم المتحدة وفق مبدأ الأغلبية.‏

ورأى حقوقيون فلسطينيون أن تأجيل التصويت على التقرير ينطوي على تداعيات ومخاطر كارثية على مجمل العدالة الدولية واستعداد الضحية للمطالبة بحقه، مشددين على أن موقف السلطة الفلسطينية من هذا التأجيل «حدث تاريخي نادر لتنازل الضحية عن حقها للمعتدي».‏

وقال عصام يونس، مدير مركز «الميزان» لحقوق الإنسان في غزة: «إن تأجيل التقرير ينطوي على مخاطر جدية على تحقيق العدالة، من جهة أن تأجيل التقرير هو تغييب العدالة لأن العدالة المؤجلة هي عدالة غائبة».‏

كما تعالت ردود الأفعال الغاضبة في أوساط فلسطينيي الـ48 على الموقف الفلسطيني الرسمي.فقد وصف النائب محمد بركة رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة موقف السلطة بأنه مثير للغضب وتمييع لمسؤولية المجرمين. بدوره أوضح نائب رئيس الحركة الإسلامية الشيخ كمال خطيب أن موقف السلطة الفلسطينية بصرف النظر عن تأثيره القضائي في المحافل الدولية يشكل فضيحة المرحلة ، بينما أشار جمال زحالقة (التجمع الوطني الديمقراطي) ان هناك حدودا للتنازلات ، وهناك خطوط حمراء مرتبطة بـ1400 شهيد في غزة لا يحق لأحد أيا كان العبث بدمائهم تحت أي تبرير.‏

وكان لضحايا العدوان موقف مماثل من خطوة السلطة الفلسطينية، ووصف متحدث باسم الضحايا خلال مؤتمر صحافي في غزة التأجيل بأنه خيانة عظمى لدماء الشهداء والجرحى ولآلاف الأسر التي لا تجد مأوىً لها رافضا كل المبررات الخادعة التي قدّمتها السلطة .‏

وفي ذات السياق ، أعربت الجامعة العربية عن اسفها الشديد لهذا الارجاء. وحملت في بيان لها ضمنيا السلطة الفلسطينية المسؤولية مؤكدة انه لم يكن هناك تشاور مسبق معها قبل الموافقة على تأجيل بحث تقرير غولدستون.‏

و حذر الأمين العام للجامعة عمرو موسى من حدوث انهيار مفاجئ في الموقف العربي وطالب كل الدول العربية بتحمل المسؤولية ، رافضا تأجيل السلطة الفلسطينية لمناقشة تقرير غولدستون‏

أما الأمين العام لـمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو فقال: إن التأجيل جاء بناء على اتفاق أميركي/فلسطيني قبلت به المنظمة.‏

كما اعربت منظمة العفو الدولية عن اسفها لقرار التأجيل وطالبت الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإحالة التقرير على الفور الى مجلس الامن .‏

وداخل السلطة الفلسطينية نفسها وحركة فتح اثار قبول الوفد الفلسطيني ارجاء بحث التقرير استياء واضحا.‏

وقدم وزير الاقتصاد الفلسطيني باسم خوري (مستقل) استقالته من حكومة سلام فياض احتجاجا على موقف السلطة. وقال المسؤول في حركة فتح محمد دحلان ان اللجنة المركزية للحركة عقدت اجتماعا وأكدت معارضتها التامة لتأجيل بحث تقرير غولدستون.‏

كما عبَّرت 40 منظمة أوروبية عن صدمتها الشديدة بموقف السلطة الفلسطينية حيال التقرير .‏

ورأت المنظمات, في بيان مشترك ان إرجاء بحث التقرير شكَّل سابقة خطيرة وتنكرًا لدماء الضحايا في غزة الذين تجاوز عددهم 1400 وضربة في الصميم للجهود التي بذلتها اللجنة الدولية وللتحركات التي قامت بها مختلف منظمات حقوق الإنسان لفضح جرائم الاحتلال ضد الإنسانية. وطالبت المنظمات الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون بإحالة تقرير القاضي ريتشارد غولدستون إلى مجلس الأمن فورًا .‏

لجنة تحقيق‏

ورداً على هذه الانتقادات قال رئيس السطلة محمود عباس: إن طلب التأجيل لم يأت من منظمة التحرير لأنها ليست عضوا في الأمم المتحدة، معتبرا ان الطلب تم بموافقة وعلم الدول العربية. واضاف : إن الذي قدم الطلب هو الدول العربية، والذي قرر التأجيل هو الدول العظمى وبموافقة الأطراف العربية والإسلامية والإفريقية.‏

وقد قرر عباس تشكيل لجنة تحقيق وطنية لبحث ملابسات وظروف تأجيل بحث تقرير غولدستون.‏

لكن رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية اعتبر ان المسؤول عن ارجاء التقرير واضح ولا يحتاج الى لجنة تحقيق لتحديده مؤكداً أن إرجاء البحث في التقرير شجع اسرائيل على اقتحام المسجد الاقصى.‏

كما دعى نبيل عمرممثل السلطة الفلسطينية في القاهرة عباس إلى الاعتراف بمسؤوليته عما جرى وإلغاء لجنة التحقيق.‏

إنجاز لإسرائيل‏

وفي المقابل رحبت الولايات المتحدة بتأجيل التصويت على التقرير، ووصفت ذلك بأنه خطوة تصب في مصلحة الجميع.‏

وكشفت صحيفة «هآرتس» أن عباس هو من اتخذ قرار تأجيل التصويت على التقرير وذلك في أعقاب زيارة القنصل الأميركي في القدس لمقر المقاطعة في رام الله، يوم الخميس الماضي، ولقائه عباس الذي اتخذ قراره بحسب الصحيفة دون الرجوع إلى أيّ من أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، أو اللجوء إلى الحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض، ودون التشاور مع أحد.‏

ورأت «هآرتس» أن قرار تأجيل البحث في تقرير غولدستون، إنجاز سياسي مهمّ لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان مشيرةً إلى أن إسرائيل أدارت حملة دبلوماسية كبيرة، هدفت إلى دفن توصيات غولدستون، وإيقاف مبادرته لتقديم إسرائيليين للمحاكمة في خارج إسرائيل.‏

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد أطلق تصريحات قبل بضعة أسابيع هدد فيها السلطة الفلسطينية بالكشف عن دورها في الحرب على غزة، إذا أصرت على مواصلة دعم تقرير غولدستون.‏

جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم‏

وإذا كان الفلسطينيون أصيبوا بخيبة أمل جراء هذا التأجيل، فإنهم لم يقطعوا الأمل بأن تتم محاكمة إسرائيل على جرائمها مستقبلا.‏

وقال عضو مركز القدس للمساعدة القانونية والحقوقية سلم خلة: إن قرار التأجيل وقع كالصاعقة على الشعب الفلسطيني وعلى المدافعين عن حقوق الإنسان، وخاصة أن التقرير حظي باهتمام عالمي واسع نظرا لمهنيته وللقضية التي عالجها.‏

وأكد خلة أنه رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها حقوق الإنسان الفلسطيني للتسييس فإن الفرصة ما زالت متاحة، ويجب ألا نحبط، وليس أمامنا سوى الكفاح من أجل انتزاع حقنا لتفعيل التقرير والذهاب به إلى المحكمة الجنائية الدولية.‏

من جهته قال رئيس مؤسسة التضامن الدولي بنابلس فارس أبو حسن: إن المجال ما زال مفتوحا أمام الفلسطينيين لرفع دعاوى ضد الاحتلال الإسرائيلي لدى المحكمة الجنائية.‏

وقال: إن بإمكان أي مواطن أن يرفع دعوى أمام المدعي العام الدولي بدعم من مؤسسات حقوقية محلية وعالمية بعيدا عن تدخل السياسيين أو ممارسة الضغوط عليهم.‏

ودعا أبو حسن المجتمع الدولي إلى إيجاد آليات تنصف الضحايا والمتضررين من العدوان الإسرائيلي على غزة بشكل مباشر، «بحيث لا يكون للسياسيين أي معوق أو إجراءات يمكن أن تعوق تحقيق العدالة».‏

أما منسق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بالضفة الغربية سميح محسن فقال: إن مؤسسته حذرت السلطة الفلسطينية من إسقاط التقرير أو تجاوزه، باعتبار أنه من أهم الوثائق التي صدرت لصالح الضحايا الفلسطينيين.‏

وأوضح أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، وأن المجال لايزال مفتوحا أمام ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ودعا منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية كي تنشط لحشد رأي عام دولي من أجل استمرار تحريك الموضوع.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية