تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أرواد .. حكايا البحر تحاصرها.. وذكريات من غابوا تطاردها

مجتمع
الخميس 8-10-2009م
غانم محمد

من تحيط به المياه من كل حدب وصوب هل يفكر بغيرها؟

ومن لا يرى على كوكبه إلا عصافير القفص وبعض القطط الشاردة هل يقص على أبنائه عن الذئب الذي أكل نعاج الجيران او داهم حظائر الاقارب؟‏

إنهم مختلفون بعض الشيء عنا لاختلاف عالمهم ولقلة اختلاطهم بالآخرين بحكم حياة فرضت شروطها ومكان فرض طباعه الخاصة والقاسية ايضا..‏

في ارواد تروي الامهات لأبنائها الصغار قصص ابنائهم الموجودين فوق مراكبهم وبواخرهم لينقلن لهم ثقافة البحر وقوة من يركبه ويمضي اكثر من نصف عمره فوق موجه وفي مجهوله.. ويحكين ايضا عن رجل فقير علقت بصنارته سمكة ذهبية فباعها بسعر كبير جداً وتزوج احدى الاميرات وانقلبت حياته رأساً على عقب، ويحكين ايضا عن مركب اطلق صافرته الاخيرة بالقرب من الصخور الكبيرة الموجودة على الشاطئ الجنوبي والغربي للجزيرة، وعن حورية بحر وضعت عينيها على رجل وسيم من الجزيرة وكانت تخرج من البحر كل اسبوع مرة وتراقب الرجل من نافذة غرفته الوحيدة فرأتها زوجة الرجل فاعتقدت انها عشيقته فهجرته زوجته ولم ير الحورية فخسر الاثنتين .. الخ.‏

لم احفظ الاسماء جيداً واختلط الحديث والمهم هنا هو الحكاية المخيفة لحظة وقوعها، المريرة في تقليب تفاصيلها، المفيدة في عبرها....‏

رجل في الستين من عمره تقريباً، وقبل أن يسرد حكايته فتح لي «موبايله» وقال: تفرج.. مشهد لم نتابعه في أفلام الرعب.. الأمواج أعلى من السفينة وتضربها بلا هوادة.. يحتفظ بمشهد الفيديو هذا منـذ حوالي سنتين، يحتفظ به ليقص على أحفاده بعض تفاصيل حياته بالصوت والصورة هكذا قال وأضاف: كنت أنا على متن هذه الباخرة، والمشهد بات مألوفاً بالنسبة لنا..‏

رجل آخر قال: في عام 1978 كنا على بعد ساعتين ونصف من مدينة مرسيليا حين هبت العواصف وارتفع الموج وبدأت الأمواج تتقاذف السفينة كقطعة «فلين» وبقينا في هذه المعاناة«79» ساعة، وكنا ننتظر حتفنا كل دقيقة خلال هذه الساعات، ولم ننس أن هناك رباً اسمه الكريم نتكل عليه في كل شيء فنجونا بعنايته، ولم يمنعنا هذا الأمر من ركوب البحر مرات ومرات بعدها...‏

في المقاهي الموجودة بكثرة على الشاطىء الشرقي لأرواد جلست بين الموجودين، بعضهم من أهالي الجزيرة، وبعضهم مثلي جاؤوا ليتعرفوا على حكاياها، لكن القاسم المشترك هو البحر.. قلت لأحدهم ألا تملون من الحديث عن البحر وأنوائه وذكريات من غادر فيها وعانى أو غادر ولم يرجع فقال: نحن أبناء هذا البحر.. أرى ابني وهو يقبل أبناءه ويودع زوجته ليمخر عباب البحر فهل تريدنا أن نتحدث عن المطارات وذكرياتنا فيها ونحن لا نركب إلا البحر؟! نسافر في البحر، ونحيا فيه ونلقي إليه همومنا ويقذف إلينا همومه فهل بإمكاننا الحديث عن غيره!؟‏

دخل على الخط رجل اخر فقال: ما ان تنتهي فترة رضاعة الطفل عندنا حتى يلتقفه البحر.. ينزل الى البحر قبل ان يذهب الى المدرسة، وكما يتحدث الاطفال بمتعة عن ايامهم الاولى في المدرسة يتحدثون في ارواد عن ذكريات الايام الاولى في البحر..‏

ينطلق الارواديون في ازقة جزيرتهم ولا يخشون فيها من تشفيط سيارة لانها جزيرة بلا سيارات .. القسوة فرضت حضورها على طريقة عيشهم ، القسوة التي تساعدهم على فهم البحر والتعامل معه، تلك الحياة الجميلة فرضت على الامهات ايضا قسوة من نوع آخر حيث يعلمن ان أولادهن الصغار.. في البحر ولا يأبهن لهذا الامر كثيراً على عكس سكان اليابسة الذين يخشون على ابنائهم من ترعة ماء!‏

هذا الامر مطلوب بالنسبة للارواديين وإلا سيجدون انفسهم دون عمل لاحقا لانهم قالوها وبكل صراحة: اعتدنا ان نعيش على البحر، نأكل من عملنا فيه، وهذا يتطلب هذه التربية القاسية بعض الشيء.‏

هناك ميزة رائعة بمعظم الارواديين، فما ان تسأل شخصاً ما عن مكان معين حتى يسبقك اليه مرشداً، وفيهم كما قال احد الذين التقيتهم كل طباع البحر، فهم يثورون ويهيجون فجأة، ويهدؤون فجأة.‏

اغاني الارواديين ايضا لا تبتعد عن البحر والغياب في مجهوله وقد ذكروا بعض تلك الاغاني لكني لم احفظها ولكن « دوار يا بحر الهوى دوار» او سيمفونية الربان والعاصفة للموسيقار صفوان بهلوان ابن هذه الجزيرة تؤكدان ذلك .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية