هذا ما قاله متحدث في الكنيست الإسرائيلي يدعى روفين رفلين يوم 9 أيار الماضي في كلمة ألقاها بمناسبة إحياء ذكرى تأسيس الكيان الصهيوني.
وقد حرصت إسرائيل منذ قيامها على ترويج هذه الصورة باعتبارها واحة الديمقراطية في بحر من الاستبداد والتخلف العربي و«فيلا في قلب الغابة» كما وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك.
عنصرية مستترة وعلنية
لقد وظفت إسرائيل هذا الواقع لإخفاء سياساتها الممنهجة والثابتة وغير المعلنة للتمييز ضد عرب 1948 الحاملين للجنسية الإسرائيلية طوال العقود الستة الماضية إضافة إلى ممارستها القمعية والوحشية تجاه فلسطينيي الأرض المحتلة.
هناك قوانين صريحة في تمييزها وعنصريتها كما تشير إلى ذلك الناشطة الحقوقية الإسرائيلية «ميخال شفارتز» مثل قانون العودة الذي يمنح المواطنة تلقائياً للمهاجرين اليهود لإسرائيل فقط وقانون المواطنة والدخول لإسرائيل الذي يحرم عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم.
وهناك «أوامر ساعة» أو «تعليمات مؤقتة» موجهة ضد العرب بذرائع أمنية مثل: منع لم شمل العائلات العربية حيث يجري تطبيقها منذ عالم 2002
وهناك قوانين أخرى تميز بشكل غير صريح العرب مثل قانون الخدمة العسكرية وقانون استيعاب الجنود المسرحين حيث تقدم الامتيازات المالية والاجتماعية لليهودي الذي يخدم في الجيش ولا تتوافر للعربي الذي لا يتم تجنيده.
كذلك استغلت إسرائيل قوانين الأراضي العثمانية وقوانين فترة الانتداب لتجريد الفلسطينيين من أراضيهم وأملاكهم.
أما دورة الكنيست لشتاء 2010- 2011 فقد شهدت اتجاهات تعمل على تعميق العنصرية في إسرائيل عبر تشريعات تمييزية سيكون لها عواقب وخيمة على الحريات العامة وحقوق الإنسان.
فمنذ الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في عام 2009 والتي جاءت بإئتلافات حكومية أكثر يمينية في تاريخ إسرائيل شهدت الكنيست سيلاً عارماً من التشريعات التمييزية التي تستهدف المواطنين العرب في إسرائيل، منها ما أقر بشكل نهائي أو في القراءات الأولى.
محاربة الذاكرة
فقد أقر الكنيست في شهري شباط وآذار 2011 أربعة قوانين عنصرية هي:
1- قانون النكبة الذي يسمح بمعاقبة أي مؤسسة تحيي ذكرى النكبة أو تنفي وجود إسرائيل «كدولة يهودية ديمقراطية» وتشمل هذه المؤسسات البلديات والمدارس والمسارح والمنظمات الثقافية والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني.
وبطبيعة الحال فإن مثل هذا القانون يشكل محاربة للذاكرة الفلسطينية وانتهاكاً لحرية التعبير ويهدد بقطع خدمات الصحة والتعليم والإسكان وغيرها من الخدمات الاجتماعية الأخرى عن البلدان العربية.
العنصرية الجغرافية
2- القانون الثاني هو قانون لجان القبول الذي يخول لجان القبول التي تختار المرشحين للسكن في البلدات التعاونية والزراعية في إسرائيل برفض طلبات المتقدمين للحصول على الإقامة في مجمعات منطقتي النقب والخليل ممن لا يستوفون معايير الملائمة الاجتماعية الغامضة وهو تشريع يقنن غربلة المتقدمين العرب الفلسطينيين في إسرائيل الذين لا يجدون فرص سكن بسبب التضييق على البلدات العربية ومنعها من التوسع السكني وحتى من الجماعات المهمشة اجتماعياً من اليهود ذوي الأصول غير الأوروبية، وهذا القانون يسمح للمجمعات ذات الأغلبية اليهودية بالحفاظ على تركيبتها الديمغرافية المتطرفة وهذا عمل تمييز عنصري على أساس العرق والاثنية والأصل القومي.
إبطال المواطنة
3- ويتعلق القانون الثالث بإبطال المواطنة بدعوى نشاطات مزعومة معرفة إسرائيلياً، مثل التجسس والإرهاب وعدم الولاء وخيانة ما يسمى بالأمة أو عدم الوفاء للدولة وهذا جزء من قوانين تجعل مواطنة العرب في إسرائيل مشروطة تماشياً مع شعار سياسي متطرف «لا مواطنة من دون ولاء» وهو شعار يرفعه العنصري بامتياز «ليبرمان» وزير خارجية إسرائيل ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا».
انتهاك الحريات
4- القانون الرابع هو قانون تمويل الجمعيات الأهلية وهو يلزم جميع الجمعيات الأهلية بتقديم تقارير عن مصادر تمويلها وهناك قوانين مكملة له، مثل مشروع قانون يحظر تسجيل أي جمعية تنفي وجود إسرائيل «كدولة يهودية» وقانون الجمعيات الذي يجرم المؤسسات التي توفر المعلومات للأجانب أو ضالعة في دعاوى قضائية خارج إسرائيل ضد مسؤولين إسرائيليين متهمين بارتكاب جرائم حرب حسب التصورات الإسرائيلية.
جميع هذه القوانين تأتي ضمن مساعي الحكومات الإسرائيلية لتقييد حرية عمل المنظمات التي تدافع عن حقوق الإنسان وعن حقوق المواطنين العرب في إسرائيل والمناهضة للاحتلال.
وهناك قوانين غير ديمقراطية وتمييزية أخرى تم تحرير القراءة الأولى أو التمهيدية لها مثل: مشروع قانون حظر ممارسة المقاطعة ضد مؤسسات أو أفراد أو منتجات إسرائيلية وقانون أفضلية العمل في جهاز الدولة لمن أتم الخدمة العسكرية الذي يميز العرب المعفيين من التجنيد.
أزمة المشروع الصهيوني
لاشك أن مثل هذه القوانين تعكس في جانب كبير منها مخاوف أصحاب المشروع الصهيوني وأزمته حيث تأكد فشله في إقصاء الشعب الفلسطيني من أرضه أو مسح ذاكرته أو كسر إرادته بعد ما يزيد على ستين عاماً خلت، والفشل أيضاً في تحقيق الحلم الصهيوني ببناء «دولة يهودية» خالصة واتضاح كذب مقولة «شعب بلا أرض لأرض بلا شعب».
إن كل هذه التشريعات العنصرية تجعل من إسرائيل رسمياً (دولة فصل عنصري) وتفضح ديمقراطيتها المزعومة من قبلها ومن قبل الغرب وتنفي الادعاءات الباطلة بأن إسرائيل واحة الديمقراطية وسط الغابة العربية.
وبالتالي فإن إسرائيل كانت وستبقى مثالاً للعنصرية المتطرفة وهي أول من شرعن التمييز العنصري ودافع عنه وتبناه قولاً وعملاً تحت ذرائع شتى.