لا شك أن الحرية شرط أساسي لكي يشعر المواطن بمواطنيته، وأن يكون مسؤولاً عن المشاركة الفاعلة في إدارة شؤون مجتمعه، من خلال إفساح المجال له كي يختار العمل الذي يناسبه. وطبيعة الحياة التي يريدها، ويعبر عن رأيه وفق المواءمة بين حقوقه وواجباته، تجا ذاته وتجاه أبناء مجتمعه، حيث يكون الترابط العضوي بين الحرية والمسؤولية في إطار المشاركة الجماعية الواعية، انطلاقاً من طبيعة الحرية الفردية والاجتماعية.
فالحرية بمظاهرها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق ذاتية الإنسان وقدرته على التفاعل الإيجابي في مواقعه الوطنية المختلفة، فالإنسان الحر هو الإنسان القادر على الأخذ والعطاء بصورة ايجابية، وذلك من خلال ما تتيح له هذه الحرية من إمكانية تفتيح قدراته وإطلاق طاقاته، ومن خلال التفاعل مع القدرات والإمكانات الأخرى المتوافرة في المجتمع، بما يسهم في تطوير المجتمع وتقدمه.
فثمة علاقة جدلية/ تكاملية بين الحرية والمسؤولية من جهة، وبين المسؤولية الذاتية والاجتماعية من جهة أخرى، فالحياة الكريمة لا تستقيم إلا مع الحرية، والحرية الحقيقية لا تمارس إلا في ظل المسؤولية الكاملة وغير التابعة أو المهيمن عليها. فالإنسان يكون مسؤولاً عن أفعاله وسلوكاته بقدر ما يكون حراً في اختيارها وترجمتها على أرض الواقع، ويكون بالتالي خاضعاً للمساءلة والمحاسبة وفقاً للنظام الذي منحه هذه الحرية، أي إن المسؤولية هنا تؤدي دور الموجه للحرية والضابط لممارستها معاً، وفي ذلك يكمن جوهر الحرية بطبيعتها النفسية والأخلاقية والاجتماعية.
فممارسة الحرية إذن ليست ظاهرة مطلقة بلا حدود، أو عملية كيفية بلا ضوابط، بل هي مسؤولية منظمة وهادفة تستند إلى الاختيار الواعي للسلوك وفق المفاهيم القيمية التي تحدد طبيعة الحرية السائدة في المجتمع، وتوجهاته الحالية والمستقبلية. وهذا يعني أن أهمية الحرية ليست في رفع شعار الحرية والتغني بها فحسب، بل في وعيها فكراً وممارسة، وبذلك يكون الشعب كله مشاركاً فاعلاً في القرارات الوطنية ومسؤولاً عن تنفيذها، وإنجاحها بحسب درجة الوعي بالحرية وبمسؤولية تجسيدها على أرض الواقع، بعيداً عن التعدي والفوضى والتشويه.
فالحرية تمكن الفرد من الفهم العميق لذاته والتكيف معهاوتوجيهها، بما يحقق هذه الذات وينميها وتوفر له المناخ الملائم لتفتح إمكاناته وقدراته، وتهيئ له فرص الخلق والإبداع، كما توفر للفرد المناخ المناسب لكي يؤدي دوره عضواً فاعلاً في بيئته الاجتماعية، وبما يحقق التكيف الاجتماعي الإيجابي، فيكون قادراً بالتالي على اختيار فكره وعمله وسلوكه بإرادة ذاتية/موضوعية. وهذا ما أشار إليه مضمون البند/1/ من المبدأ الثاني في دستور الجمهورية العربية السورية الذي ينص على أن« حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة، لا يمكن لأي سلطة أن تنتقصها».
وهنا يطرح السؤال التالي: كيف تمارس هذه الحرية، وما هو إطارها؟
والجواب هو: إذا كانت الحرية، بطبيعتها وأبعادها، ضرورة حتمية لكي يحقق الإنسان إنسانيته بمعناها الحقيقي، فإن توفيرها حق لكل فرد، وفي المقابل فإن ممارستها وفق ضوابط وأهداف محددة واجب عليه ملزم، والإلزام هنا يتضمن المسؤولية، لأن ثمة علاقة جدلية بين الحرية والمسؤولية، فالحرية تولد المسؤولية، والمسؤولية توجه الحرية، وبمقدار ماتتسع مساحة الحرية والمجالات التي تمارس فيها ضمن النظام الاجتماعي/ السياسي العام، يزداد حجم المسؤولية وأهميتها، وهنا تكون الحرية فعل انتماء وولاء للوطن، وممارسة اجتماعية واعية ومسؤولية.
فأي حرية إذن يريدها هؤلاء الغوغائيون الذين لا يعرفون من الحرية إلا اسمها، وهم يسهمون في تعريض وطننا الحبيب إلى مؤامرة خبيثة مأجورة، تحت شعارات مضللة للحرية والديمقراطية، مضمونها الفوضى واستباحة المحرمات وفتاوى تحليل القتل والتخريب، وهدفها الفتنة وتفكيك عرى الوحدة الوطنية، وزعزعة الأمن والاستقرار الوطني، وبالتالي إضعاف الموقف السوري الوطني القومي المقاوم للمشاريع الصهيونية/ الأميركية، والنيل من قراره الوطني الحر المستقل، الذي يرفض المصادرة والإملاءات الخارجية.
ولكن شعبنا العربي السوري، الذي خبر تجارب العملاء والمأجورين، وأساليبهم التخريبية المكشوفة، وارتباطهم بالقوى التي تريد النيل من صمود هذا الشعب ووحدته الوطنية، يعرف تماماً معنى الحرية وكيفية ممارستها من خلال ارتباطه الاجتماعي وانتمائه الوطني، ولن يسمح لهؤلاء بالتمادي في شعاراتهم التحريضية المضللة لفئات من أبناء شعبنا الطيب المعطاء، بل سيواجههم بصموده وإيمانه بوحدته الوطنية الراسخة، ويفضح ارتباطاتهم وشعاراتهم المضللة، ويسقط مشروع فتنتهم، وهو أكثر تمسكاً بحريته وأشد وعياً بالمسؤولية التي يؤمن بها، ويعبر من خلالها عن انتمائه الوطني الأصيل.