كاشفة إلى البحر ما امتد واتسع من يمينه وشماله غرباً إلى جبال الشعرة ماطالت، شمال القدموس وجنوبها بل على الطرق الزراعية بين الحقول!
وصلعة عكار كنا أولاً نظنها معممّة بالثلج بموجب القول «عكار لبس قبعة» من أول تشرين الأول فلايخلعه بحسب نظر العين، حتى أواسط شهر آب اللهاب، إلى أن تبين لنا أخيراً، أن صلعة عكار تلك لم تكن بالثلج الذي يشوف خيو، على قمة عكار، بل هي فعلاً بالثلج ولكن بفعل آخر، لايذهب بحر صيف ولايمحى أثره بعواصف خريف أوهواء ربيع أوصيف!
بل هي صلعة عكار حقاً لاتحول ولاتزول!
إنها الصخور المصفحة قد انكشف عنها كل أثر لتراب وزال منها أثر كل شجر فراحت تبدو بيضاء ناصعة لامعة كصلعة المعلم شحود، أشهر معلم منذ أن انتشرت مدارس المبشرين الأميركان والكاثوليك والجزويت، في كثير من قرى سورية ولبنان، إلى أن أخذت المدارس الوطنية بالانتشار.
بالاستقلال الشكلي سنة 1943 ثم بالاستقلال الناجز التام، السابع عشر من نيسان سنة 1946م في سورية وسنة 1947 في لبنان أول استقلالين في كل ماكان قد ساد وماد الاستعمار الفرنسي والبريطاني الحديث في قارتي أفريقيا وآسيا !
وفي كل ذلك، بماكنت فيه طالباً في المدرسة الثانوية الرسمية وانتسبت إلى كلية الآداب - الجامعة السورية، سنة 1951-1952 وبما طاب لي في الحياة الجامعية مبدلاً فرعاً بآخر مداوماً لاتفوتني محاضرة ولايفقدني أستاذ جديد، أمارس بالهواية المجانية الكتابة الصحافية، وكل فنون الكتابة الإبداعية متطاولاً حتى إلى الترجمة عن الانجليزية حاسباً لابد حساب قضاء العطلة الصيفية، من أول مايمجز العنب، وينتشر التين في الضيعة إلى أن يسمع النداء «بعل ياتين» في خريف دمشق!
لم يذكر حتى عن الآباء والأجداد أن الضيعة رغم ماكانت تبتلى به البلاد من محن، قد انقطع ذات مرة مابين شمالها وجنوبها ولافصل ذات مرة، غربها عن شرقها إلاماحاولته فرنسا، عنوة باحتلال سورية ولبنان عقب الحرب العالمية الأولى بما رسمته اتفاقية سايكس بيكو ولبريطانيا العظمى آنذاك - فلسطين والعراق قبل أن تنتهي تلك الحرب الأوروبية الغربية أولاً، والعالمية ثانياًََ !
ورغم ثورات المواجهة سورية في ميسلون سنة 1924 فلسطين سنة 1936 وإضراب سورية المشهور وبما تهيأ الاستقلال الشكلي لسورية سنة 1943 حتى تم لها رد الكيد لفرنسا بالاستقلال التام الناجز، سنة 1946، واستشرى في كل البلاد العربية، حتى استقلت الجزائر سنة 1963-1964.
في كل ماابتليت به البلاد خاص مماكانت تبتلى به البلاد العربية عامة، كان لسورية أن تستقل ذلك الاستقلال الفريد، لم تلبث أن تسعى لتحقيق أول وحدة عربية مع ثورة 23 يوليو، سنة 1958وإذ انفصلت تلك الوحدة، بانفصال 1961م وثأر له بثورة البعث، سنة1963 وفشلت مساعي الوحدة، ثلاثية أورباعية قاد الرئيس حافظ الأسد، الحركة التصحيحية أول ماحققت نجاحها على العدو بحرب 1973م فأخذ يدعو جاداً إلى الوحدة حتى وصل إلى التضامن حيث توقي عنه، فعهد به، صادقاً واثقاً إلى الرئيس الشاب بشار على أنه بقية العرب الباقية للحركة التصحيحية بكل مقوماتها وأبعادها ومراميها الوطنية والقومية بكل مستلزماتها ودواعيها!
وإذا كان الرئيس بشار يقوم صادقاً وجاداً بكل المهمات متصدياً للمشروع الأميركي وعملائه بمشروع الشرق الأوسط الجديد، لاتكون فيه إسرائيل، بحدودها إلى النيل وحسب بل أن لايكون إلا إسرائيل في هذا الشرق الأوسط الجديد فلا من عرب اسماً وفعلاً ولامن يفرحون أويحزنون !
وإذ أخذ نعيق الغربان يتعالى خارج سورية ومن حولها لايطلب إلا إسقاط النظام، وماذا أعظم من ذلك، ولاأفدح ومن دون ذلك خرط القتاد، كما يقال من دونه سورية بحدود ما أشار إليها آخر وال بيزنطي وداعاً ياسورية ! من أمام جبال طوروس!
فإن سورية بكل أبعادها وبكل مضامينها ماقدم وماجدّ بحافظ الأسد وكفل بالرئيس بشار الأسد تصرخ بكل أولئك الغربان، يعرفون من هم ؟ أو لا يعرفون؟ أن قفوا مكانكم سورية بمواجهتكم وخلفكم حتى جهنم وبئس المصير...