تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مشـــكلة الســـرقات الأدبيـــة

ثقافـــــــة
الجمعة 17-6-2011
د إحسان هندي

أرجو أن يعذرني القراء الكرام، وجريدة «الثورة» الغراء، على التكلم عن نفسي أكثر من اللازم في هذا المقال، ويشفع لي في ذلك أنني سأعرض مشكلة خطيرة عبره، تهم كل الكتاب، وهي مشكلة «السرقات الأدبية» وبوسعي أن أعدد

عن ظهر قلب أكثر من خمسين سرقة أدبية حدثت في السنوات الخمس الأخيرة فقط، ومنها عملية السطو على قصة قصيرة نشرتها غادة السمان قبل نحو نصف قرن تحت عنوان «لعنة اللحم الأسمر» فأعادت نشرها إحدى الكاتبات المبتدئات دون أي ضمير أو وازع من وجدان!.‏

وليس من الملائم- كما أرى- كشف هذه السرقات وأسماء أصحابها على رؤوس الأشهاد ولهذا سأقصر مقالي هذا على ذكر بعض السرقات الأدبية التي تعرضت لها ثلاثة من كتبي حصراً (كفاح الشعب العربي السوري 1962+ دمشق تحت القنابل 1967+ معركة ميسلون 1968) دون ذكر أسماء «الفاعلين» لأن غايتي من النشر هي «التذكير» وليس «التشهير»؟..‏

1- قبل نحو أربعين عاماً أقدم ناشران كانا يعدان مشروع كتاب بعنوان «ثورات الحق ولقاء الأحرار» على «اقتباس» سبعين صفحة بالكلمة والحرف والنقطة والفاصلة من كتابي «كفاح الشعب العربي السوري» المطبوع عام 1962، فحاولت حل الأمور معها ودياً عن طريق إصداربيان يعترفان فيه بذلك، وعندما لم يقبلاه رفعت دعوى عليهما أمام القضاء حيث حكمت عليهما المحكمة بدفع تعويض مناسب، وكانت تلك أول قضية ينظر فيها القضاء السوري في مجال حماية الملكية الفكرية وحقوق المؤلف على حد علمي!.‏

2- وفي مجال التعدي على كتابي هذا «كفاح الشعب العربي السوري» أذكر أنني خلال حديثي عن ثورات المنطقة الشمالية في سورية (ثورة إبراهيم هنانو بشكل خاص) ضمنته مخططاً (خريطة) للمنطقة الممتدة من حماة حتى الحدود التركية مع أسماء القرى الموجودة في المنطقة ومنها قرية (صوران) التي تقع بين حماة وبلدة خان شيخون، ولكن عامل الزنكوغراف أخطأ فكتب اسم القرية (حوران) فأتى المخطط الذي حواه الكتاب حاملاً هذا الخطأ.‏

وتوالت «البحوث التاريخية» التي تشرح وتحلل ثورة إبراهيم هنانو، وكلها نقل حرفي عن كتابي هذا، بما في ذلك هذا المخطط المغلوط (!) وهكذا قام هؤلاء «الباحثون» بنقل محافظة حوران من جنوب سورية إلى شمالي مدينة حماة (بدلاً من قرية صوران)!.‏

3- وقبل نحو خمس سنوات أقدم واحد من «الكتّاب» على نشر مقال عن معركة ميسلون أخذ جميع فقراته و99٪ من كلماته، عن كتابي «معركة ميسلون»، المنشور من قبل وزارة الثقافة عام 1968، فحملت مقاله مع الأصل إلى رئيس تحرير الجريدة التي نشرت مقاله، فاستدعاه رئيس التحرير بحجة مناقشته في الحلقات التالية، وعندما أنبه رئيس التحرير على مافعله احتج بكل صفاقة أن «التاريخ هو ملك للجميع وليس ملكاً لأحد بعينه» وأنا وافقته على أن «التاريخ» هو ملك للجميع، ولكن «التاريخ» - وهو عملية تدوين التاريخ ضمن صيغة معينة- هو ملك لكاتبه فقط، ولا أدري إذا كان صاحبنا قد فهم -حتى اليوم- الفرق بين «التاريخ» و«التأريخ» في هذا المجال أم لا؟!.‏

4-وقبل مدة قامت إحدى الكاتبات المحترمات باقتباس شهادة صحفية فرنسية عاشت في سورية عامي 1925 و1926 حول أحداث الثورة السورية، وذكرت اسم هذه الصحفية (آليس بوللو)، وذكرت عنوان كتابها (دمشق تحت القنابل)، ولكن فاتها- أمدّ الله في عمرها- أن تذكر أن هذه الشهادة التي أتت بها منقولة حرفياً من ترجمتي لهذا الكتاب، الصادرة في عام 1967، علماً أنها لاتجيد الفرنسية لكي نقول إنها ترجمتها شخصياً!.‏

وعموماً فإن كتابي هذا «دمشق تحت القنابل» لم يتعرض إلى عملية «اقتباس» غير مشروع فقط وهي ماذكرته أعلاه، وإنما تمت «سرقة» الكتاب بشكل كامل حيث أصدره شخص عام 1996 باسمه على أنه من ترجمته، علماً أنه لم يترجم كلمة واحدة فيه، وإنما أخذ ترجمتي الشخصية للكتاب، بالصيغة التي نشرتها فيه عام 1967، وهذه الحادثة تحتاج إلى شرح خاص في مقال مستقل قد أكتبه وأنشره في وقت لاحق.‏

5-أقول هذا كله ليس بدافع النرجسية الثقافية، ولا استعراض العضلات الثقافي، ولكن بسبب استشراء السرقات الأدبية في بلدنا إلى حد لايحتمل ولإثبات ذلك سأذكر فيما يلي حادثة سطو ثقافي من نوع آخر، وعلى مؤلف لكاتب غيري: ففي مهرجان للقصة القصيرة جرى في إحدى المدن السورية قامت قاصّة من بلدنا وقرأت قصة ذات بعد تاريخي، كانت القصة من نوع القصة القصيرة التي لايتجاوز حجمها تسع صفحات، وقد قرأت القاصة ضمنها قصيدة سبق أن نشر ترجمتها بالكامل المؤرخ فراس السواح، دون أن تذكر القاصة ولو بكلمة واحدة اسم المؤرخ صاحب الترجمة، أو المؤلف الأصلي، وعندما انتهت القراءة تدخلت أنا وأشرت إلى أن النص من كلمة كذا إلى كلمة كذا منقول حرفياً عن كتاب الزميل فراس السواح، فردت القاصة أن هذا من قبيل «التناص» ولا أدري أي تناص هذا حين تأخذ هذه القاصة نصف حجم قصتها تقريباً عن مؤلف آخر، ولا تشير أثناء الإلقاء إلى بداية الاستشهاد بنص المؤلف الآخر ونهايته لا بالقول ولا بالفعل!‏

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو : «أين يقف حق المقتبس في الرجوع إلى كتب وبحوث ومقالات من سبعة من الكتاب، وكيف يمكنه الاستفادة من كتاباتهم والاستشهاد بها دون أن يقع تحت طائلة جرم «السرقة الأدبية» الذي أصر على تسميته جرماً لأن المواد 708 إلى 715 من الفصل السابع في قانون العقوبات السوري لعام 1949 قد اسمته كذلك!.‏

للجواب على هذا السؤال نقول إنه هناك ثلاث درجات من «الاقتباس» المشروع أو المسموح به في المنصفات الأدبية، وهي التالية:‏

أولاً: الاستئناس: وهو الاستفادة من فكرة معينة أو جملة أفكار وردت في كتاب أو مقال ما، وصياغتها ضمن أسلوب القارئ المتلقي ولغته، دون أن يستخدم أي عبارة من عبارات الكاتب الأصلي كما هي، ويكتفى في هذه الحالة بالإشارة إلى المرجع في أسفل الصفحة أو في نهاية الكتاب أوالمقال.‏

وإذا ارتأى القارئ المتلقي رأياً مخالفاً للرأي الوارد في المرجع يستحسن ذكر عبارة «انظر رأياً مخالفاً لهذا الرأي في..» أو عبارة «قارن مع..».‏

وإذا نقل القارئ المتلقي قولاً في صيغة معينة عن الكاتب الأصلي كما هو، كقوله مثلاً: «العولمة تتنافى مع العوربة» فيجب أن يضع هذا القول ضمن معقوفتين، ثم يذكر في الحاشية: «عن كتاب..».‏

ثانياً الاقتباس: وهو نقل فكرة معينة عن مرجع محدد من إبداع مؤلفه، كما لو كان المؤلف مؤرخاً يبحث في نشوء الحضارات واستند إلى نظرية «توينبي» في «التحدي» كعامل من عوامل نشوء الحضارة، أونظرية «ابن خلدون» في زوال الحضارة، أونظرية «فوكوياما» في صراع الحضارات حيث يجب الإشارة إلى المصدر في أسفل الصفحة، أو في نهاية الفصل.‏

وإذا تكرر الاقتباس أكثر من مرة فيمكن الاقتصار على ذكر عنوان المرجع واسم المؤلف كاملين في المرة الأولى، ثم الاكتفاء بذكر اسم المؤلف وعبارة «المرجع ذاته» في المرات التالية:‏

ثالثاً: التناص: وهونقل عبارات كاملة من نص المرجع الأصلي وتضمينها في النص الجديد، ويجب في هذه الحالة وضع العبارات المستقاة من المرجع الأصلي ضمن معقوفتين.. «...» لتمييزها عن نص الكاتب كما أنه لابد من ذكر المرجع بعد كل عبارة من النص الأصلي..‏

ولايجوز بتاتاً أخذ الكلام كما هو في النص الأصلي وإقحامه في النص الجديد وكأنه كلام! الكاتب صاحب هذا النص الجديد ومن إبداعه، ولايكفي بتاتاً وضع اسم الكتاب الأصلي أو كاتبه ضمن لائحة المراجع في هذه الحالة!.‏

ونحن نقول هذا وفي ذهننا قضية قانونية نظر فيها القضاء السوري طوال عدة سنوات، وموضوعها قيام باحث بالاستناد إلى بحث سبق نشره من كاتب آخر، وكان استناده إليه أكثر من الحدود المألوفة في عملية الاقتباس والتناص، مع أن الباحث المقتبس ذكر اسم المؤلف الأصلي في لائحة المراجع.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية