تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الكركي والأزرق والطائش.. نظرة الإنسان إلى الطيور من الوهم إلى العلم

استراحة
الجمعة 17-6-2011
محمد قاسم الخليل

ينظر الإنسان إلى الطيور منذ القدم نظرة خاصة، فكان يتشاءم من رؤية وصوت بعض الطيور كالبوم والغراب، ويطرب لزقزقة العصافير كالحسون والكنار، ويداخله الحنين عندما يسمع هديل الحمام، ولاسيما إذا كان يمر بحالة حب.

ووصلت النظرة قديما إلى الاعتقاد بتأثير الطيور على تصرفات الإنسان المستقبلية، كما تختلف النظرة إلى ذات الطير، فكان إذا عزم على السفر مثلا وأصبح خارج العمران، ومر طير على يمينه تفاءل خيرا وتابع سفره، وإذا مر ذات الطير على شماله تشاءم وعاد أدراجه إلى بيته، وكان يطلق على التشاؤم من الطير (التطير) أو (الطيرة)، ومنه أخذ معنى التشاؤم من شخص، فيقال أنا تطيرت منك أو من جماعة فيقال: إنا تطيرنا بكم.‏

ولا تزال آثار التطير من الطيور والأفراد سائدة في الاعتقادات الشعبية حتى يومنا هذا في مختلف بلدان العالم، ومنه المثل الشعبي في بلادنا (إلحق الغراب يدلك على الخراب)ويضرب المثل لمن عرف بارتباط تصرفاته بحالات من الفشل أو النتائج الكارثية.‏

أما اليوم فقد اخذت النظرة إلى الطيور تتخذ طابعا علميا يقوم على التجربة والملاحظة، حيث تخصص بعض العلماء بدراسة حياة الطيور وسلوكها، فأصبحت الأحكام على الطيور وصفية، وليست مجرد أوهام وتخيلات كما كانت عليه نظرة الإنسان في السنين الغابرة.‏

وهناك الآن طيور محبوبة، وطيور توصف بالحمق والغباء، وطيور شريرة مؤذية، وذلك مبني على البحث والملاحظة، وبناء على ذلك يتفاءل بعض الناس بأنواع من الطيور ويحبونها، ويتشاءمون من أنواع أخرى ويكرهونها.‏

ومن الطيور المحبوبة النادرة طير يدعى الغرنوق، وعند العامة يسمى (الكركي) وفي اللغات الأجنبية يطلق عليه (كران), وهو طائر شهير مع انه من الطيور النادرة، وتوجد في المنطقة العربية عائلة باسم الكركي ومنهم الموسيقي الشهير في الستينيات (نمر كركي)، كما ظهرت أفلام حملت اسمه كالفيلم الروسي المنتج في أواخر الستينات (الغرانق تطير مبكرة) وهو فيلم موجه للأطفال عن طفل يتعلق بهذا الطير.‏

ينتشر طائر (الكركي) في أميركا الشمالية وكندا وشرق إفريقيا وباكستان وروسيا والصين واليابان وكوريا وأستراليا، وتعيش منه أعداد قليلة حيث تتناقص كل عام , وهو طائر محبوب لاعتقاد بعض الناس أنه طائر يجلب السعادة إذ يبدأ طائر في السرب الغناء والدوران والرقص فيتبعه الآخرون في تناسق جميل وحركات رشيقة ,ويهاجر لمسافات بعيدة ويتغذى على الحشرات , وقد بذلت ومازالت تبذل جهود كبيرة لحمايته من الانقراض.‏

ويوجد طائر جميل أيضا من الطيور النادرة يدعى الطائر الأزرق، وسمي بذلك لتميز لونه، وقد كتب المسرحي البلجيكي مسرحية باسم (الطائر الأزرق) تحولت في عام 1976 إلى فيلم باليه أميركي سوفييتي مشترك يحمل العنوان ذاته.. أخرجه الأميركي الشهير جورج كيكور، وقامت بدور الطائر الأزرق ناديا بافلوفا.‏

ويعد الطائر الأزرق صديقاً للإنسان وينتشر في أميركا وكندا وأوروبا , وتعود الناس على سماع صوته كل صباح فيما مضى حيث كان يتقدم بألفة إلى حافة النوافذ لالتقاط ما يقدمونه له , إلا أن أعداده بدأت بالتراجع سنة بعد أخرى , والسبب إتلاف الأماكن الطبيعية التي يعيش فيها وحرق الغابات أو إزالتها لإقامة المدن مكانها , واستخدام المبيدات الحشرية السامة.‏

وفي أوائل السبعينات بدأت حملة خاصة لإنقاذه عن طريق إنشاء أعشاش من الأخشاب بمواصفات معينة وتثبيته في الحدائق المنزلية, ويتميز هذا الطائر بالرقة في الحجم والإلفة , وهو يصادق الإنسان الذي يصادقه , كما أنه وفيٌّ للغاية لأسرته ولا يدخر وسعاً في راحتها وإطعامها.‏

أما الطائر السيئ حقا حتى بحق نفسه فهو الطائر البحري الطائش ويدعى (بوبي) لأنه طائر، ويعرف بالعربية (الطائر الطائش) لأنه مشهور بالبلاهة والغفلة.‏

ورغم اختلاف سلوكه عن سلوك الكركي والأزرق، فهو مثلهما يتعرض للانقراض وتتناقص أعداده عاماً بعد آخر، ولكن هذا الطائر هو الذي يتسبب بنقص أعداده ,بسبب حماقته وغبائه وبلادته وعدم تقديره للأمور حق قدرها.‏

وهو طائر بحري كبير الحجم يشبه الأوز البري , يعيش نوع منه في المناطق البحرية الباردة , ونوع آخر في البحار والمناطق البحرية الحارة ,ويتكون غذاؤه من الأسماك غالبا، حيث ينقض عليها من ارتفاعات شاهقة ويغوص وراءها لأعماق كبيرة وقد يصطدم بالصخور.‏

ومع ان طول الطائر الطائش يبلغ نحو متر، إلا أن عصفور الشرشور الصغير الذي لا يزيد طوله على 13 سنتيمتراً يقف على ذيله ويمتص دمه ومع ذلك ينظر إليه الطائر الطائش ببلاهة دون ان يقوم بأي تصرف يبعد الشرشور عنه.‏

ويضع (الطائش) بيضه على الصخور في العراء وفور أن يتركها لدقائق يقوم (الشرشور) بقذف البيض جانبا ليتناولها كطعام له , بل إن مجموعة من الشراشير قد تهاجمه وتقاتله بضراوة دون أن يدافع عن نفسه رغم أنه يستطيع أن يفتك بها.‏

وهكذا نرى ان عالم الطيور عالم يحفل بالغرائب والعجائب مثله مثل أي مخلوقات تنتشر على امتداد البر والبحر في هذا الكون.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية