نتيجة لتطبيق سلسلة من الإجراءات والسياسات الزراعية المشجعة والتي انعكست بشكل إيجابي على تطور هذا القطاع من خلال تطبيق التقنيات الزراعية الحديثة في حقول الأخوة الفلاحين واستخدام الأصناف المحسنة عالية الإنتاج لزيادة الإنتاج والإنتاجية كماً ونوعاً..ثمة تحديات تواجه النشاط الزراعي في هذه المحافظة التي كانت ولاتزال العاصمة الزراعية السورية.
فماهي هذه التحديات وماهي نقاط القوة ونقاط الضعف في النشاط الزراعي بالحسكة وهل هناك رؤية موحدة للجهات المعنية والمؤسسات ذات العلاقة حول واقع الحال والصعوبات..وربما الأكثر أهمية هو هل هناك تصورات واضحة لتوفير المتطلبات الأساسية التي تسهم في إعادة الحياة للقطاع الزراعي. هذه الأسئلة وغيرها كانت محور الموضوعات التي طرحناها على المعنيين في سياق متابعتنا لإنجاز هذا التحقيق الصحفي.
زراعة بلا مدير
في حوار مع المهندس الزراعي ديلان داهود معاون مدير الزراعة بالحسكة ( للتنويه فقط لايوجد مدير زراعة منذ أكثر من نصف عام بعد انتقال المهندس أحمد القادري المدير السابق إلى دمشق وتكليفه بمهمة مدير الري الحديث في وزارة الزراعة ). يقول المهندس ديلان أن محافظة الحسكة من أهم المحافظات الزراعية السورية إذ تنتج حوالي 40 - 45% من إنتاج سورية من القمح وحوالي 35% من إنتاج القطن ويعتبر النشاط الزراعي هو النشاط الاقتصادي الأهم والأكبر والرئيسي في المحافظة حيث تبلغ مساحة المحافظة الإجمالية / 2333359 / ه ويبلغ عدد القرى والمزارع في المحافظة /2753 /وتتوزع الأراضي في محافظة الحسكة حسب استعمالاتها إلى أراضٍ قابلة للزراعة /1566008/ ه وهذه تشكل نسبة 63.5% من المساحة الإجمالية للمحافظة منها /417494/ه أراض مزروعة مروية وتشكل نسبة 29.5% من الأراضي القابلة للزراعة و /792503/ه أراض مزروعة بعل وتشكل نسبة 70% من الأراضي القابلة للزراعة.و /4663/ه أراضٍ غير مستثمرة وتشكل نسبة 0.5% من الأراضي القابلة للزراعة. وهناك أراضٍ غير قابلة للزراعة وتبلغ /144596/ه وتشكل نسبة 7% من المساحة الإجمالية للمحافظة.
نقاط القوة والضعف
لعلّ من أهم نقاط القوة تنوع البيئات الزراعية من الشمال إلى الجنوب وخصوبة الترب الزراعية وتتميز أراضي المحافظة بأنها سهول مستوية وهناك طاقات وإمكانيات كبيرة لتطويرها وتحسين استثمارها وتوفر اليد العاملة وهناك إمكانية كبيرة لتنشيط الاستثمار الزراعي والصناعي فيها لأنها محافظة بكر ومن الممكن تطبيق الأساليب الحديثة والاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية وهناك إمكانيات كبيرة لتحسين إنتاجيتها وتطويرها وخلق صناعات لها علاقة بالثروة الحيوانية. أما نقاط الضعف فهي محدودية المصادر المائية في المحافظة وقلتها حيث إن إجمالي الموارد المائية المتاحة وسطياً /2.44/ مليار متر مكعب وإجمالي كمية المياه المستخدمة 2.4 مليار متر مكعب والعجز السنوي التراكمي 1.7 مليار متر مكعب وبالتالي فإن أكثر من 70% من المساحات القابلة للزراعة في المحافظة تعتمد على الهطولات المطرية المتذبذبة من سنة إلى أخرى الأمر الذي يؤدي إلى تدني إنتاجية المحاصيل البعلية وخاصة في المناطق الجافة منها بسبب تذبذب الهطول المطري أو انحباسه في فترات حرجة للنباتات إضافة إلى عدم تربية الحيوان على هامش المزرعة وإنتاجيتها وعدم اتباع الدورات الزراعية المناسبة التي تحافظ على خصوبة التربة واستمرارية إنتاجيتها وقلة الكادر الفني المدرب المساهم في نشر التقنيات الزراعية الحديثة بين الفلاحين وعدم الاستثمار الأمثل لأصحاب الخبرات الموجودة في القطاع الزراعي يضاف إلى ذلك ملوحة مياه الآبار ومنعكس ذلك السلبي على الإنتاج والإنتاجية وضعف التسويق للمحاصيل غير الاستراتيجية وعدم وجود مؤسسات خاصة متخصصة بالتسويق الزراعي وضعف الاهتمام بالمرأة الريفية بالرغم من مشاركتها الفعالة في العملية الإنتاجية.
أما أهم الجوانب الإيجابية في الاستثمار الزراعي في المحافظة فهي وجود إمكانيات مشجعة لتطوير هذا القطاع وتحسين الاستثمار فيه لما تتمتع به أراضي المحافظة من تنوع بيئاتها الزراعية وتوفر اليد العاملة وتتميز تربها بخصوبتها وأراضيها السهلية المستوية ووجود ثروة حيوانية كبيرة فيها. وحول الدور المطلوب من مديرية الزراعة لتطوير وتحسين الاستثمار الزراعي في المحافظة يرى المهندس داهود أن ذلك يتم من خلال إدخال محاصيل جديدة ( صيفية - شتوية ) بالخطة الزراعية وخاصة المحاصيل ذات الاحتياج المائي الأقل وتطبيق تقنيات الري الحديثة ( تنقيط - الري بالرذاذ وخاصة المحوري ) لترشيد استخدام المياه وتحسين استغلال الثروة المائية وإدخال المكننة المتكاملة والآليات الزراعية الحديثة ( المكننة المتكاملة للقطن - استخدام المحاريث الحفارة - البذارت النظامية - آلات حش وكبس الأعلاف ) لتحسين الأداء وتقليل التكاليف والهدر وتشجيع زراعة المحاصيل العلفية عن طريق إيجاد صيغة تسويقية لهذه المحاصيل لتأمين الأعلاف للثروة الحيوانية وتخفيف الضغط على البادية وتقليل الطلب على الأعلاف من الدولة.
تحديات العمل الزراعي
أما رئىس اتحاد الفلاحين بالحسكة خضر المحيسن فيرى أن أهم التحديات التي تواجه العمل الزراعي في محافظة الحسكة هي ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي وانخفاض أسعار المحاصيل حيث تم رفع أسعار مستلزمات الإنتاج - أسمدة - أكياس - فلاحات - مبيدات - محروقات - شلول - اليد العاملة. في الوقت الذي لم يتم فيه رفع أسعار المحاصيل أي بقيت تراوح في مكانها ما أدى إلى خفض نسبة هامش الربح للفلاح وفي كثير من الحالات الخسارة ما اضطر بعض أو العديد من الأسر الفلاحية إلى ترك العمل بالزراعة والهجرة إلى محافظات أخرى للعمل هناك بحثاً عن لقمة العيش.
فهنا نأمل إيجاد صيغة جديدة لزيادة أسعار المحاصيل الزراعية بما يتناسب وأسعار مستلزمات الإنتاج وتأمين هامش ربح للفلاح للحفاظ عليه بأرضه من جهة واستمرارية الاستثمار وإنتاج المحاصيل الزراعية من جهة أخرى يضاف إلى ذلك موضوع القروض الزراعية من المصرف الزراعي التعاوني ومديونية الفلاحين تجاه تلك المصارف, فالجميع يعلم أن محافظة الحسكة تعرضت في السنوات السابقة لظروف جوية قاسية لم تكن فيها المواسم كما يجب بل في بعض المواسم كانت معدومة ما ترتب على الفلاحين أعباء مادية كبيرة وذلك نتيجة استجرارهم للقروض من فروع المصرف الزراعي وبسبب تلك الظروف بالإضافة إلى الأحوال المعيشية الأخرى ومتطلبات الحياة لم يكن بمقدورهم تسديد تلك الديون المترتبة في أوقاتها وبسبب الظروف القاهرة واستمرارها لم يستطع الفلاحون تسديد ماعليهم من ديون والتي يجب إعادة النظر بتقسيطها بما لايقل عن /10/ سنوات وإعفائها من الغرامات والفوائد والإبقاء على رأس المال فقط وذلك تسهيلاً على الفلاحين وضماناً لتحصيل ديون المصرف الزراعي.ويأتي موضوع المياه ليكون أحد أبرز التحديات التي تواجه العمل الزراعي حيث تعرضت المحافظة في السنوات الأخيرة للجفاف وقلة المياه التي هي أساس الزراعة وعمادها الأمر الذي أدى إلى خفض خطة المحافظة لاسيما لمحصول القطن ووضع المياه بالمحافظة بهذا الشكل ينذر بما هو أسوأ.
كما إن تسويق المحاصيل الزراعية بالوضع الذي هو عليه الآن يشكل عبئاً ثقيلاً على الفلاحين ما يضطرهم في أغلب الأحيان إلى بيع محاصيلهم للتجار والسماسرة الأمر الذي يترتب عليه خسارة للفلاح والدولة في نفس الوقت يضاف إلى ذلك الصعوبات التي يلاقيها الفلاح في تأمين مستلزمات الإنتاج والتي يفرضها الروتين أحياناً ومزاجية بعض الموظفين أحياناً أخرى تعتبر من أهم التحديات التي تواجه العمل الزراعي حيث يضطر الفلاح إلى تأمين هذه المستلزمات بطريقته الخاصة من السوق السوداء وبأسعار مرتفعة جداً ما يزيد على أعبائه أعباءً أخرى والنقص يكاد ينحصر في موضوع البذار والأسمدة ففي الموسم الشتوي الحالي حصل نقص كبير في بذار القمح ما سبب ارتفاع أسعاره في السوق السوداء لتزيد عن20 ل.س فكان الفلاح مضطراً لشرائه كي يستطيع أن يبذر أرضه, فالضرورة تقتضي تأمين البذار والأسمدة في مواعيدها المحددة وبالكميات الكافية لتمكين الفلاحين من الحصول عليها وسهولة وزراعة أراضيهم بالأوقات المناسبة. كذلك هناك عدد كبير من الآبار غير المرخصة بالمحافظة منتشرة من منطقة الاستقرار الأولى حتى البادية وأصحابها يعانون من عدم الاستقرار وتم حصر هذه الآبار من قبل الجهات المعنية سابقاً تمهيداً لتسوية وضعها ولتاريخه لم تتم تسوية وضعها فبالنسبة للمحاصيل الصيفية هذه الآبار خارجة عن الخطة لأنها غير مرخصة ولابد من تسوية وضعها وإدخالها في الخطة الزراعية للمحافظة.
أراضي أملاك الدولة
إن أغلب المساحة الزراعية بمحافظة الحسكة هي أراضي أملاك دولة أو استيلاء تدار بموجب عقود إيجار, وأجوره مثل وضع يد فيدفع الفلاحون الأجور للدولة عن استثمارهم لتلك الأراضي عن مايزيد عن أربعون عاماً فالواقع يتطلب توزيع الأراضي توزيعاً نهائياً على الفلاحين للانتهاء من هذه الحالة علماً أن مايترتب للدولة من أجور حالياً أيضاً هو زيادة في الأعباء المادية على الفلاحين وعجزهم عن تسديد تلك المبالغ وذلك ضماناً لاستقرارهم في أراضيهم التي يستثمرونها.
الحل الدائم
المهندس جوزيف عطا الله رئيس فرع نقابة المهندسين بالحسكة رغب في سياق الحوار التركيز على مشروع جر مياه دجلة إلى نهر الخابور وهذا المشروع الحيوي الذي تم الاتفاق عليه مع الجانب العراقي والتركي وضرورة الإسراع بتنفيذه لأنه سوف يجدد الحياة الزراعية في منطقة الحسكة وهو المشروع الحيوي والرائد لهذه المحافظة.
أما أهم الصعوبات والمعوقات التي تواجه الزراعة في محافظة الحسكة فهي ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج كالأسمدة والبذار وخاصة المواد الموجودة في السوق السوداء وذلك لعدم قدرة الفلاح على تأمين البذار من المصارف ويضطر لشرائها من السوق السوداء وارتفاع أسعار مبيدات المكافحة / بعد إلغاء المكافحة المجانية / وارتفاع أجور اليد العاملة من عمال سقاية وحراثة وآليات الحراثة والعتالة والقطاف (فكل طن قطن يحتاج إلى /6000/ ليرة سورية قيمة قطاف ) إضافة إلى وجود بعض الطفيليين والسماسرة الذين يحصلون على حصة كبيرة من قيمة هذه المنتجات ويستغلون المنتجين من الفلاحين.ولعلّ المطلب الملح الآن هو البحث عن أسواق لتصريف منتجاتنا الزراعية ونخص التسويق الزراعي بمحاصيل القمح والشعير والقطن وهي المحاصيل الإستراتيجية في القطر وتنتج محافظة الحسكة ثلث إنتاج سورية من القمح والقطن.
younesgg@maktoob.com