تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التعليم العالي والتنمية المستدامة

مجتمع الجامعة
الأربعاء 5/3/2008
د.وائل معلا رئيس جامعة دمشق

في عام 2002,و بناءً على طلب من اليابان والسويد, اتخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها ال 58 قراراً ببدء عِقد التعليم

من أجل التنمية المستدامة ابتداءً من كانون الثاني 2005 ولغاية عام 2014, وأناطت بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو مهمة قيادة هذه التظاهرة ووضع مسودة مخطط تنفيذي دولي لهذا العِقد.‏

وبناء على ذلك أعدت منظمة اليونسكو مسودة مخطط التنفيذ الدولي, ودعت مختلف الحكومات إلى النظر في الإجراءات التي يجب أن تتخذ لتطبيق التعليم من أجل التنمية المستدامة في استراتيجياتها التعليمية وخطط عملها.‏

ومن المبادرات التي أطلقت أيضاً ضمن هذا السياق: الشراكة العالمية في التعليم العالي من أجل التنمية المستدامة وهي شراكة تضم حالياً أكثر من 1000 جامعة وتهدف بشكل أساسي إلى تعزيز فهم أفضل لاستراتيجيات دمج التنمية المستدامة في الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم العالي, وتنفيذ أكثر فعالية لهذه الاستراتيجيات. والقيام بمسح عالمي وتقييم التقدم الحاصل لجعل التنمية المستدامة في صلب مناهج وبحوث مؤسسات التعليم العالي. كما تهدف إلى التعرف على الاستراتيجيات الفعالة, والممارسات الجيدة في نطاق تعزيز مفهوم (التعليم العالي من اجل التنمية المستدامة), ومشاركة الآخرين فيها ونشرها من خلال الندوات والمؤتمرات وشبكة الانترنت.‏

والتحدي الذي يواجه منظومة التعليم في سورية بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص هو كيفية المُساهمة بشكلٍ فعال في هذا العقد, وكيف يمكن أن ندرج مفاهيم التنمية المستدامة في صلب برامجنا التعليمية.‏

عرَّف بروندتلاند عام 1987 التنمية المستدامة على أنها التنمية التي تلبي احتياجات الأجيال الحالية , دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتها. غير أن التعريف الشائع المعتمد عالمياً للتنمية المستدامة هو التنمية التي تحقق التنمية الاقتصادية, والتنمية الاجتماعية, وحماية البيئة في آن معاً.‏

إن جامعاتنا في سورية تُعدُّ خريجين أكفاء في العديد من الاختصاصات الهندسية والاقتصادية والاجتماعية, إلا أنها لا تخرِّج خبراء بالتنمية المستدامة.‏

فإذا نظرنا إلى المشاريع الهندسية التي تنفذ كالتوسعات العمرانية والطرق والمصانع وغيرها لوجدنا أن بعضها على الرغم من عوائدها الاقتصادية الجيدة, لا يحقق شروط التنمية المستدامة بأبعادها الثلاث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية, كما أن لها آثاراً ضارة على البيئة تهدِّد استدامتها على المدى البعيد.‏

لقد آن الأوان لجامعاتنا أن تُدرج مفاهيم التنمية المستدامة في مناهجها التعليمية. فعلى سبيل المثال, يتعين على كليات الهندسة ألا تؤهل طلابها على تصميم أبنية جميلة وسليمة من الناحية الإنشائية تحقق الوظيفية المطلوبة منها فحسب, بل عليها أيضا أن تدرّبهم على أخذ الاعتبارات البيئية في الحسبان عند القيام بأعمال التصميم, وذلك بتصميم أبنية كفوءة من ناحية استخدامها للطاقة في الإنارة والتدفئة والتبريد, والحرص على أن يطرح الحد الأدنى من الملوثات في الهواء. ويكون ذلك أيضاً باستخدام الطاقة الشمسية ما أمكن في الإنارة وتسخين المياه, واستخدام مواد بناء تتمتع بخصائص عزل جيدة. كما يجب على هذه الأبنية أن تكون كفوءة في استخدام المياه, وذلك بإعادة تدوير بعض المياه المستعملة واستخدامها في أغراض أخرى كالغسيل وري الحدائق وغيرها.‏

كذلك لابد من الأخذ بالاعتبارات الاجتماعية عند التخطيط للمشاريع التنموية بمختلف أنواعها, بحيث تؤمن هذه المشاريع عوائد اقتصادية متكافئة لجميع المعنيين بها ولا تميز شريحة عن أخرى.‏

لقد بدأت هيئات اعتماد برامج التعليم العالي في العديد من الدول وضع مفاهيم التنمية المستدامة كأحد المعايير التي يتوجب مراعاتها عند اعتماد برنامج تدريسي ما. فعلى سبيل المثال, أكدَّ دليل المجلس الأميركي للهندسة والتقانة (أبت) ABET الذي يقوم باعتماد شتى البرامج الهندسية في الولايات المتحدة, ضرورة وضع مفهوم الاستدامة بالحسبان عند إجراء التصاميم الهندسية, وضرورة أن تشمل برامج التعليم الهندسي فهماً دقيقاً لواقع الحلول الهندسية في السياق العالمي الاقتصادي والبيئي والاجتماعي.‏

لا شك أن هناك صعوبات عدة تعيق إدماج مفاهيم التنمية المستدامة في المناهج التعليمية الجامعية, من بينها عدم الإحاطة التامة بالتعريف الدقيق لهذا المفهوم وما ينطوي عليه. فالبعض يستخدم تعبير (التنمية المستدامة) للإشارة لعملية التنمية ودون إدراك للمفهوم الدقيق لهذا التعبير. تكمن الصعوبة أيضاً في تنوع المواضيع التي لها علاقة بالتنمية المستدامة وتعددها ,فمنها مواضيع علمية وأخرى تقانية واجتماعية وغيرها. تكمن الصعوبة أيضاً في الحاجة إلى طرائق تدريسية جديدة تتمحور حول الطالب كالمناظرات وجلسات الحوار ,لا حول المعلم كما في التعليم التقليدي, الأمر الذي يصعب تحقيقه عندما تكون أعداد الطلاب كبيرة.‏

لقد كانت جامعة دمشق رائدة في إدخال المساقات البيئية في مناهجها التعليمية وفي إحداث برامج جديدة في علوم البيئية والإدارة البيئية, وهي ستكون رائدة أيضاً في إدخال مفاهيم التنمية المستدامة في مناهجها التعليمية. وستدعو لعقد مؤتمر عن (التعليم العالي من أجل التنمية المستدامة) مساهمةً منها في هذا العقد وبغية نشر التوعية والمعرفة العلمية عن مفهوم التنمية المستدامة بركائزها الثلاث, وعن النهج الذي يتوجب إتباعه في إدماج مفاهيمها في مناهجنا التعليمية. فنحن نريد لجامعتنا أن تواكب في استراتيجياتها وبرامجها كافة متطلبات التنمية وهو ما يملي علينا توجهاتنا.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية