هذا الكتاب- السفر إن صح الوصف - جولة على ضفاف التاريخ الإنساني منذ البدء حتى سنة رحيل مؤلف الكتاب إلى الدنيا الآخرة.
إن قراءة هذا الكتاب, لا أكون مغالياً إذا قلت بأنها تستدعي التفرغ من دون أي التزام آخر بمتطلبات الحياة وإلى شهور عدة. إن التعرف على تاريخ البشرية عمل ليس بالعمل السهل, وخصوصاً في وقتنا الراهن, أعني في سياق الزحمة التي تضيق على القارىء العادي إلى درجة تقصيه أحياناً عن قراءة ما يجب أن يقرأ لتعويض ما فاته في زمن السعي وراء لقمة العيش خارج معادلة الراحة أوحتى الاسترخاء.
وحين أفاجأ بصدور هذا الكتاب في أربعة أجزاء, وبين دفتيه ما يفي القارىء عناء التعرف على التفاصيل التي يمكن الاستغناء عنها والإبقاء على ما هو ضروري لاعتبارات تتعلق بالحاضر, وتغني ثقافته, بنسبة ما, فيما يتصل بالأمس البعيد وفقا لحاجته , أعتقد أن عملا كهذا يستحق التنويه به. وهذا ما فعله الأديب القاص سهيل ديب, بإقدامه على تلخيص ما ينسجم ومتطلبات التعرف على تاريخ البشرية في الزمن الراهن من كتاب قصة الحضارة ل ول ديورانت , وذلك لاستحالة التوفيق بين الحاجة إلى كامل المعرفة التي يحتضنها بين دفتيه , وبين الزمن المتاح لأحدنا كي يتفرغ لقراءته كلا لا جزءا, وخصوصاً في زمن اقتحام بيوتنا ومكاتبنا, قهرا, بثقافة الفضاء شئنا أو أبينا.
إن اقتحاما من هذا النوع, جعل الباحث عن المعارف التي هي من المستوى الذي أشير إليه, الوارد في كتاب قصة الحضارة, جعله يبتعد عن بذل الجهد والاكتفاء بما يقدم له لا ما يختاره هو أو يستحق أن يختار له ليكون زاد عقله لمعرفة الحاضر والمستقبل من خلال معرفة ما كان بالأمس, وخصوصا الأمس البعيد, بوصفه الحاضن للأفكار العظيمة الخالدة على مدى الدهر.
إن تجربة الأديب سهيل ديب, تذكرني بتجربة مماثلة كان قد أقدم عليها الباحث الدكتور غازي طليمات , منذ العام1989 وحتى العام2001 حيث صدر الكتاب عينه بأجزائه الخمسة عشر عن دار طلاس في دمشق, وكان لصدوره بهذا الشكل وقعه المؤثر عند محبي المعرفة في الزمن المتاح لهم للقراءة بين مشاغلهم اليومية الأخرى, هذه التجربة تعطى المثل على أن تقريب المعرفة من جمهور القراءة , ومحبي التعرف على الجذور, عامل إثارة لشهية الدارسين ومتتبعي التطور الإنساني عبر التاريخ منذ قدمه إلى اليوم .
وفي هذا السياق لابد أن يكون ثمة تراث فكري إنساني يستحق تجربة كهذه, وذلك لغنى الفكر الإنساني على امتداد القرون التي شهدت ولادة كبار الأدباء والمفكرين.
ولايفوتنا, في هذا الإطار, أن نشير إلى أن العرب أعطوا هذا الفكر الإنساني في زمن ما بعض ما أغناه وساهموا بذلك في تقدم البشرية, قبل أن يصابوا بانتكاسات التقهقر إلى الوراء, منها ما كان سببه موضوعي ومنها ما كان سبب ذاتي.
وتبقى التجربة التي استوقفتني , جديرة بأن يتوقف عندها أحدنا محييا من أقدم عليها حتى الآن, ومن سوف يقدم عليها مستقبلاً لفائدة أبناء جيل المواجهة مع ثقافة العولمة بشكل أو بآخر.