جريدة (الوحدة) من أحد طوابق مبنى متواضع مجاور من الجهة الشرقية لمحكمة أمن الدولة حاليا قرب ساحة السبع بحرات(التجريدة المغربية) بدمشق. ولم يكن لتلك الصحيفة مطابعها الخاصة, فكانت تطبع بطريقة صف الأحرف يدويا(كل حرف على حدة) في مطبعة قديمة حتى بمعايير ذلك العهد في منطقة البحصة بين شارع الثورة وبوابة الصالحية اليوم.
وكانت تستقطب-وتستكتب- كبار الكتاّب وعددا كبيرا له أثره من القراء. وكانت أيضا في مستوى مسؤولية إسمها, مع قدر ملحوظ من الانفتاح و(الديمقراطية) الفكرية واحترام رأي الآخرين (كي أتجنب التطرق الى(الرأي الآخر) الذي نتشدق به عبر وسائل إعلامنا, ولا سيما منها فضائياتنا, باحترامه كل يوم, لا بل كل ساعة, في حين أننا نتشاتم وإياه كل ما سنحت لنا الفرصة لكي(نحترمه))
أغلقت جريدة (الوحدة) بطبيعة الحال في اليوم الأول للانفصال.
وعلى الرغم من أنني أضع نصب عيني كوني مسجلا لإفكار وخواطر شخصية, بعيدة عن الآراء, الذاتية منها أو الموضوعية, فإني لا أجد هنا غضاضة في ذكر بعض الوثائق التي تسجل عن كثب, ومن خلال وثائق شخصية, أحداث مرحلة كانت في البدء, واندثرت إلا من أثر واحد ظل يغتلي في وجدان جماهيرنا على امتداد حجم وطننا العربي بعامة وقطرنا العربي السوري بخاصة, ألا وهو ضمير الوحدة.
تلك هي الوثائق الشخصية للصديق العتيق مروان حمامي الذي ينتمي الى الجيل العصامي, إذ كان يعمل ويدرس في آن معا وينجح في العملين كأي عصامي في أي جيل من أجيال قطرنا الحبيب. تعود صداقتنا الى عام 1958 (أي أنها بلغت الخمسين من عمرها). وكنت أصدر معه مجلة مدرسية مطبوعة وتوزع في مدرستنا-إعدادية يوسف العظمة- وغيرها من مدارس دمشق باسم (صوت يوسف العظمة). وكان هو (رئيس التحرير) كونه كان مشرفا على أرشيف جريدة الوحدة, وكنت (مدير التحرير) لتلك المطبوعة الشهرية التي لم تصدر منها سوى أعداد قليلة خلال عامين دراسيين لا غير. كنت(أحسده) لأنه كان يعمل مع الإعلامي الكبير جلال فاروق الشريف ,لكن ذلك العمل توقف مع توقف (الوحدة) عن الصدور من مقرها الجديد خلف القصر العدلي بدمشق. وبعد ثلاثة أشهر وثلاثة أسابيع, بحساب الأيام تحديدا , من انتهاء عهد الانفصال بقيام ثورة 8 آذار عام ,1963 يصدر العدد الأول من صحيفتنا هذه, صحيفة(الثورة), في الأول من تموز(يوليو) ذلك العام, بمثابة (صوت يعبر عن ثورة آذار ويحمل توجهاتها الى جماهير الشعب).
وكان للقدر بصمته في صدورها للمرة الأولى من المقر نفسه الذي توقفت فيه جريدة (الوحدة) عن الصدور خلف القصر العدلي. وكان للقدر أيضا بصمته الأوضح والأقوى حين صدرت(الثورة) يومذاك عن (مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر والتوزيع), التي تتشارك اليوم مع شقيقتها(تشرين )في الصدور تحت إدارتها الموّحدة. وتفيد وثائق الصديق مروان (الرسمية) أنه عاد الى عمله القديم ولكن في صحيفة (الثورة) الآن, مكلفا(بتسيير أعمال قسم المحفوظات(الأرشيف) بتاريخ 9/5/1964), وكان هذا (الأمر الإداري) يحمل توقيع الأستاذ إسماعيل العرفي, المدير العام لمؤسسة الوحدة. أما قبول استقالته فكان يحمل توقيع الأستاذ إنعام الجندي بتاريخ 14/7/,1965 وذلك ليتفرغ للتدريب الرياضي في مدارس محافظتي القنيطرة ودمشق بعد تخرجه من دار المعلمين الابتدائية-اختصاص : رياضة . ولعل حيازته شهادات تحكيم رياضي عليا, أغرته للابتعاد عن الصحافة والتفرغ لتحقيق إنجازات رياضية مشهودة.
كان مروان -ولا يزال- يحدثني عن الرجال الذين تأثر بهم ممن كانت تسري في دمائهم روح التفاني في عملهم الصحافي ومنهم الأستاذ محمد علي الأشقر(رحمه الله) وهو والد الصديق الدكتور جهاد (مدير صحة دمشق حاليا), الذي كان مسؤولا- وحده- عن إخراج صفحات جريدة (الثورة) جميعها. وكان يحضر في الرابعة بعد الظهر ويعمل دون توقف حتى الحادية عشرة أو منتصف الليل, ساعة الانتهاء من طباعة المقال الافتتاحي وصدور العدد الذي سيوزع فجر اليوم التالي بعد مراجعته ومن طرائف ما كان يعرف عنه أنه كان يغير قمصانه و(بناطيله) كل بضعة أشهر لكثرة استعمالها و(دعكها) في عمله المتواصل وتحملها عبء إخلاصه في العمل الذي كان يعشقه. أما (الجاكيت) فيبقى جديدا لأنه كان يخلعه لحظة وصوله الى لحظة خروجه ! وليغفر لي من يقرؤني إذا (غمزت) بهذه العبارة:( والكلام لك يا جارة).
في البدء كانت (جريدة ) الوحدة... وفي الختام هي (مؤسسة) الوحدة.. وتبقى (الوحدة), ولو بقيت مجرد أمل.(وللحديث صلة).