زادت ثروة العرب فتحللوا من القيم وزاد تعدادهم السكاني لكن الواقفين على الثغور منهم قلوا, وزادت ناطحات السحاب في عواصمهم ,لكن مصانعهم لم تر النور وزاد المتعلمون في صفوفهم وغابت عنهم المعرفة!
مصير مر لم نصادفه على قارعة الطريق, ولم يهبط على رؤوسنا من سماء بإذن الغيب بأمطارها وفواجعها وقتما يشاء ويمنعها وقتما يشاء بل هو مصير يحمل بصمات أصابعنا التي راحت تلهو بهياكل الأمة المقدسة من الاستقلال الموهوم إلى التبعية المثبتة في إعلانات صريحة تطير في وجوهنا الذابلة هذه الأيام كورق الخريف.
من قاد الأمة إلى هذا المصير المر??
يحكى الأن على منابر العرب الناطقة من فضاء العولمة هذه الأوقات ,في سياق محو التاريخ واستبداله بشهود الزور كي يسهل تكاثر الدويلات وتفكك الخرائط ودفع الذاكرة الجماعية إلى الغيبوبة والاحتضار.
يحكى ممن خلعوا أقنعتهم عن وجوههم وصعدوا اليوم إلى منابر العرب أن الفكر القومي العربي كان علة كل ما حدث وأن التيارات القومية العربية في مشرق الوطن ومغربه دشنت عصر الكوارث وأوقدت نيران الحروب واستفزت الغرب غرب القوة والتكنولوجيا والعملة الصعبة واقترفت معصية الوحدة العربية في مطالع النصف الثاني من القرن المنصرم فألهبت حماسة العرب, وشنت حروبا على القاعدة المتقدمة للغرب في فلسطين, ثم احتربت فيما بينها فدمرت طاقات الأمة وقادتها إلى الضياع!
ربما لم يكن كل شيء في مسار التيارات القومية العربية في القرن الماضي على ما يرام ولم تكن تجربة الوحدة معصومة عن الزلل, ولم تكن حروب القوميين العرب حروبا متوجة بغار النصر دوما ولم يكن صراعهم فيما بينهم وصفة شافية لعلل الأمة!
كل ذلك ممكن أن يصبح بمرور الوقت موضع نقاش ونقد ذات زمن معافى! حين يستذكر المؤرخون من تسلل في الخفاء فعقد صفقته الحرام مع دوائر الغرب الطامع للإجهاز على بشارات النهضة القومية في مهدها وغزو أفقها المكتظ بالأحلام ومنارات الفجر!
لكن الذي لن يكون موضع نقاش في أي وقت فهو الهوية التي بنى عليها الفكر القومي كل رؤاه والانتماء الذي نسج من يقينه كل أدبياته الصريحة.
إن من لا يؤتمن على الهوية ولا يحمل طموح بناء الدولة القومية ,لا يؤتمن على تراب دولته التي يستظل بعلمها حين تعبث بها أصابع التفتيت والانقسام ,والسؤال الأن:هل ما كان مقدسا مازال مقدسا وهل صارت العروبة وتعزيز فلسفتها القومية منكرا وعصيانا على الشهوات الإمبراطورية لأباطرة الغرب الجدد ,وهل حرم على هذه الأمة وحدها من بين الأمم أن تتعافى وتسبك عناصرها لتسترد ما حظر عليها استرداده منذ عصور الدويلات?أم أن حلاوة الهزيمة لا تمحوها مرارة النصر في زمن بتنا نفرش فيه البساط الأحمر للجلادين ونطرد حماة الثغور عن أعتابنا!
نحن الأن في الزمن الفصل فهل ينجو بمكيدته من يتصدى لهتك تاريخنا وينتزع من صدورنا جمرنا المقدس كي يشعل به في غابة من القش حضارة يسرق شواهدها اليوم من متاحف بغداد كي ينسبها غدا لملوك بني إسرائيل ثم يهيل على وجوهنا التراب.
نحن الأن في الساعة الأخيرة التي نرقب فيها دورة الزمن الآتي فإما الصحوة أو السقوط نحو السقوط والهلاك!!