تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


آفاق الحرب النفسية في صراع الإرادات

شؤون سياسية
الثلاثاء 8-9-2009م
علي الصيوان

للصراعات طويلة الأمد، كالصراع العربي - الصهيوني، جبهات شتى، فهذه الصراعات لاتحسم بالضربة القاضية، بل إن الغلبة فيها تنعقد لمن يراكم المزيد من النقاط الإيجابية في مصلحة خندقه.

وكما في أي صراع، فإن الحرب النفسية تأخذ موقعها من زاوية أن خوضها بنجاح في أحد الخندقين إنما يضيف سلاحاً مؤثراً إلى أسلحته، ليس وحسب بإغناء فاعلية الأسلحة التي يستخدمها المقاتل، بل في مراكمة أسباب الهزيمة المتوخى إلحاقها بالخندق الآخر.‏

وقد عرف التاريخ أنماطاً من الحرب النفسية استغنى فيها المقاتلون عن أسلحتهم تماماً لأن حرباً نفسية ناجحة مكنتهم من الظفر قبل الشروع في القتال، كما في حروب جنكيز خان، في القرن الثاني عشر، التي كسبها في براري آسيا الشرقية والوسطى، دون سيوف.‏

المعوّل عليه في هذا النمط من إدارة الحرب النفسية، هو أن تتقدم «جحافل» الذعر القوات المقاتلة، فتفتك بالعدو.‏

وقد أدارت الحركة الصهيونية بالذعر حربها في 1948، فحققت جل هدفها وهو تهجير الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين من ديارهم بقوة الخوف المحمول على المثال في وحشية السلاح.‏

فلقد كان تهجير أهل فلسطين حجر الزاوية في المشروع الصهيوني الإجلائي الإحلالي، إجلاء الفلسطينيين لإحلال المستجلبين اليهود محلهم.‏

وكانت الجرائم التي اقترفها الصهاينة في دير ياسين وسواها، كافية لشيوع حال من الذعر، المعمم بقوة محطة الـ B.B.C، وهي ترتدي لبوس الصدقية لدى النخب الفلسطينية والعربية، المرتهنة لإرادة الاستعمار البريطاني، والامبريالي عامة.‏

ومن يدقق في تاريخ الصراع العربي - الصهيوني يضع اليد على حقيقة مفادها أنه صراع هجرة، خطة لتهجير اليهود من أوروبا إلى شرق المتوسط لزرعهم في مخلفات هجرة فلسطينية إلى أي مكان.‏

وقد بقيت هذه الحقيقة حاكمة للتطور اللاحق في الصراع العربي - الصهيوني، من زاوية الحاجة الصهيونية المستمرة لهجرة يهودية إلى فلسطين، ولإغلاق باب الهجرة المعاكسة التي تتمحور فيها الأزمة التاريخية المتربصة بالمشروع الصهيوني.‏

فأي دور للحرب النفسية في مفاقمة هذه الأزمة لدى العدو الصهيوني؟ وكيف يمكن للعدو أن يتجاوز أزمته هذه؟‏

لنقرأ في درس جنكيز خان، كان تصديره الذعر سلاحه الأمضى، والخوف الذي عممته محطة الـ B.B.C مثل 61 عاماً في وعي العرب بعد جريمة دير ياسين، يعاد تعميمه بضخ إعلامي عربي، والأدق، ناطق بالعربية، يستحضر «سلاح» جنكيز خان، الذعر، وينعش الخوف المشاع بعد دير ياسين، بما يجعله سيفاً مسلطاً على رقبة نهج المقاومة ضد المشروع الصهيوني.‏

القاسم المشترك الأعظم بين «سلاح» الذعر الجنكيز خاني، وسلاح الصهيونية الدير ياسيني، هو أن يستقر في وعي أحد خندقي الصراع، أن الخندق الآخر قوة كلية القدرة، غلابة ولا تقهر أبداً.‏

وليس عسيراً أن نجد بصمات هذا القاسم المشترك في مختلف مفاصل الصراع العربي - الصهيوني منذ دير ياسين، وإلى أن يطوى ملفه بأي صيغة.‏

وكما في الرياضيات، فإن شارة السلب في طرف معادلة، تستتبع شارة إيجاب في الطرف الآخر.‏

والمتابع للإعلام «العربي» أقله منذ عقود ثلاثة، يضبط المتأسرلين العرب متلبسين بجرم الترويج لمفهوم «إسرائيل»، الكلية القدرة على الرغم من أن هذا المفهوم قد جرى دحضه في سيرورة الصراع مرات مساوية للفرص التي اغتنمها المقاومون العرب للعدوان الصهيوني.‏

وقد وجد دحض هذا المفهوم ترجمته الإجرائية في الهجرة اليهودية المعاكسة من فلسطين في كل مرة تمكن فيها المقاتل العربي والفلسطيني خاصة، من خوض مجابهة يكون فيها سلاحه جزءاً من رزمة عوامل تجسد مكامن القوة في خندقه، وفيها إرادة القتال الحرة من مفهوم «إسرائيل» الكلية القدرة.‏

تكفي برهاناً هنا وقائع الانتفاضة في فلسطين منذ أيلول ألفين، إذ تدفق اليهود إلى ما وراء البحار بقوة الإصابات بالهلع التي كانت توجب النقل إلى المصحات، كالجرحى إلى المشافي، بعد عمليات يستخدم فيها المقاومون أسلحة فردية كالبنادق والقنابل اليودية، فينتجون الإصابات بالهلع، حتى في صفوف الجنود المدججين بترسانة سلاح أميركي متفوقة على سلاح العرب مجتمعين.‏

وهنا مفتاح فهم الإدارة الصهيونية للحرب النفسية، فهي تبيع العرب أوهاماً، وهذه التجارة غير قابلة للرواج دائماً، بل تصاب بالكساد إذا اعتصم العرب بالحقائق وأغلقوا منافذ تسويقها في وعيهم.‏

من هذه المنافذ مثلاً ركون العرب إلى أن المشروع الصهيوني منفصل عن الجائحة الرأسمالية «المتطورة» إلى امبريالية، والخطر في فتح هذه النافذة يتمثل في إفساد التحديد الصائب للعدو ومن ثم في إفساد التمييز بين الصديق والعدو.‏

ومن هذه المنافذ كذلك وقوع بعض العرب في مصيدة الوهم القائل بأن للحركة الصهيونية الغازية يميناً سياسياً، ويساراً.‏

والهرطقة هنا مكشوفة الظهر بوهج الحقيقة القائلة إنه ليس حراً من يستعبد غيره.‏

وحيال هذه الحقيقة يتهاوى البناء النظري في القراءات العربية، لاسيما الفلسطينية التي تسند القبائح الإسرائيلية إلى الحكومات اليمينية المتطرفة، بما يعني تبرئة ما يسمى: «الشعب، والأدهى، ما يسمى «اليسار»!!‏

وما يجب استخلاصه من إغلاق هذه المنافذ أنه ليس للغزاة الصهاينة حظ في فوز من تجارة الأوهام، إذا كانت الرؤى العربية حية وذات حضور في رسم القرار السياسي، خصوصاً حين يتعلق الأمر بتعبئة وعي المقاتلين، وتحريرهم من جحافل الذعر الجنكيز خاني، التي يرسلها «جنرالات» الحرب النفسية الصهيونية على شاكلة فرق الـ S.S النازية التي روعت أوروبا في الحرب العالمية الثانية، ويعاد استنساخها في الأداء الصهيوني.‏

وما يجب أن نعترف به، نحن العرب أن «جنرالات» الحرب النفسية الصهيونية لايعدمون المهارة في التعيش على تقصير العرب في إدارة حرب نفسية مضادة.‏

إنهم يدسون خبراً كاذباً يكون من شأنه خلخلة الثقة في الخندق العربي، ومن أجل أن يكون للخبر الكاذب هذه الفاعلية، يطلقونه في إهاب من الصدقية المكتسبة باحتضان بعض العرب للتلفيق الإسرائيلي.‏

مثلاً: أطلق أولمرت - رسمياً - خبراً في ذروة مقاومة عدوان 2006 على لبنان، فحواه أن السيد حسن نصر الله «قد فر من لبنان»، وكان هناك في المستوى الإعلامي العربي، ولا نقول مستويات أخرى من لاقى أولمرت في منتصف الطريق, فروّج للاختلاق الإسرائيلي، من باب مشاطرة أولمرت في الرهان على كسر شوكة المقاومة، وهذا ما يجري الآن في دعوة متأسرلين عرب موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة كي يكون حازماً في إدانة كل من «إسرائيل» وحماس نظير العنف الذي شهدته غزة قبل 8 أشهر.‏

إذ تحت رداء هذه المساواة «الموضوعي» تكمن المهارة الإسرائيلية في تصدير بضاعة المفاهيم الفاسدة إلى الخندق العربي، وأهمها وصم المقاومة الفلسطينية بالارهاب، طمعاً في شل قدرتها على الاستقطاب.‏

والمعيار الذي تقاس به كفاءة الصهاينة في كيفية إدارة الحرب النفسية هو معدلات الهجرة اليهودية إلى شرق المتوسط.‏

إن التطمينات والضمانات وعلائم حسن نية العرب حيال «إسرائيل» التي يطلبها كل من الرئيس أوباما ونتنياهو شرطاً لانطلاقة في عملية سلام إنما هي قرينة على إخفاق «جنرالات» الحرب النفسية الصهيونية في جرثمة الرأي العام العربي، خزان مظاهر المقاومة العربية للغزوة الصهيونية الإجلائية الإحلالية وهو الخزان الذي عاينه القائد الاستراتيجي العظيم حافظ الأسد في مقولته: نحن نمتلك المستقبل لأن معنا الحق الساطع والشعب الواسع.‏

وحيال هذه المقولة تمسي التطمينات المطلوبة لـ «إسرائيل» بالغة الراهنية والإلحاح، لسبب جوهري هو أن آفاق الحرب النفسية الصهيونية لتجنيد المزيد من يهود أوروبا وأميركيا للهجرة إلى وطننا لاستعماره مسدودة.‏

والشاهد أن عدد يهود نيويورك وحدها أعظم من تعداد يهود «إسرائيل» فهؤلاء لن يهاجروا إلى الكيان الاستعماري الصهيوني، إلا إذا كانت التطمينات المطلوبة نتاج هزيمة ساحقة ماحقة لإرادة المقاومة عند شعبنا الواسع دفاعاً عن حقه الساطع في الأرض Siwan.ali@gmail.com ">والحرية.‏

Siwan.ali@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية