حيث تم سحب أفلام من مهرجانات سينمائية إسرائيلية، وتعرض الفنان ليونارد كوهين لانتقادات عديدة في كثير من انحاء العالم بسبب قراره المشاركة في حفل بتل ابيب، بينما قامت منظمة «أوكسفام» بقطع علاقاتها مع ممثلة بريطانية مشهورة تدعم مواد التجميل المنتجَة في مستوطنات بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
ان حملات تستخدم هذه التكتيكات التي أسهمت في وضع حد لممارسات النظام العنصري في جنوب إفريقيا، بدأت تكسب أنصاراً كثراً في انحاء العالم. وكما كان متوقعا، فإن مجمل الإسرائيليين، بمن فيهم أنصار السلام، لم ينضموا إلى هذه الحملة التي تثير أسئلة تتعلق بازدواجية المعايير الأوروبية والأميركية.
بالنسبة لي كإسرائيلي، قد تكون مسألة صعبة علي أن أدعو الحكومات الأجنبية والحركات الاجتماعية العالمية والمؤسسات الدينية والنقابات والمواطنين في مختلف أنحاء العالم إلى عدم التعامل مع «إسرائيل». لكني بت مقتنعا اليوم، وأنا أشاهد طفليَّ يلعبان في حديقة المنزل، أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ننقذ بها «إسرائيل» من نفسها. أقول هذا لأن «إسرائيل» وصلت إلى نقطة تاريخية فارقة ولأن الأزمات تستدعي خطوات دراماتيكية. وأقول هذا كيهودي اختار تربية أطفالي في «إسرائيل»، وينتابني قلق عميق بشأن مستقبلهما.
ولعل الوصف الأدق لإسرائيل اليوم هو (دولة آبارتايد) ذلك أنه منذ أكثر من 42 عاما، و«إسرائيل» تسيطر على الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة يعيش فيها نحو ستة ملايين يهودي وخمسة ملايين فلسطيني. ومن أصل هذا العدد، يعيش 3.5 مليون فلسطيني ونصف مليون يهودي تقريبا في الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» عام 1967. وهاتان المجموعتان اللتان تعيشان في المنطقة نفسها، تخضعان في الواقع لنظامين مختلفين تماما. فالفلسطينيون لا دولة لهم، وهم محرومون من أبسط حقوق الإنسان، في حين أن كل اليهود سواء كانوا يعيشون في الأراضي المحتلة أم في «إسرائيل» هم مواطنون و لهم كامل الحقوق.
ان السؤال الذي يؤرقني هو كيف أضمن ألا ينشأ طفلاي وأطفال جيراني الفلسطينيين في نظام «آبارتايد» ؟ واعتقد أن ثمة طريقتين فقط لبلوغ هذا الهدف:
الأولى هي حل الدولة الواحدة، أي منح الجنسية لكل الفلسطينيين، وبالتالي، إقامة دولة ديمقراطية ثنائية القومية داخل كل المنطقة التي تسيطر عليها «إسرائيل». طبعا من الناحية الديمغرافية، سيعني ذلك موت «إسرائيل» (كدولة يهودية)، وهو بالنسبة لمعظم اليهود الإسرائيليين أمر غير مقبول.
أما الطريقة الثانية لإنهاء نظام الآبارتايد في اسرائيل فهي حل الدولتين، والذي يتطلب انسحاب «إسرائيل» الى حدود 1967 وتقسيم القدس والاعتراف بحق عودة الفلسطينيين الى ديارهم مع السماح لعدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم 4.5 مليون بالعودة إلى «إسرائيل»، بينما يمكن للبقية العودة إلى الدولة الفلسطينية الجديدة. ومن الناحية الجغرافية، يبدو هذا الحل عمليا لأن حياة اليهود والفلسطينيين متداخلة بشكل كبير.
من الناحية العملية ، قد يكون حل الدولة الواحدة بشكله العنصري القائم واقعا ملموسا . لكن من الناحية الأيديولوجية، فان حل الدولتين أكثر واقعية على اعتبار أن أقل من واحد بالمئة من اليهود وقلة من الفلسطينيين يؤيدون خيار الدولة ثنائية القومية.
في الوقت الحالي، فإن تغيير الوقائع الجغرافية يبدو ممكنا أكثر من تغيير المعطيات الأيديولوجية. وإذا قرر الجانبان مستقبلا اقتسام دولة واحدة، فيمكنهما القيام بذلك، لكن ليس هذا ما يريدونه حاليا. ومن هنا، وإذا كان حل الدولتين هو الاسلوب الوحيد المتاح لانهاء النظام العنصري القائم ، فكيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟
لا شك أن الضغط الخارجي هو الحل الوحيد. فخلال العقود الثلاثة الأخيرة، ازدادت أعداد المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة بشكل كبير. وأدت أسطورة القدس الموحدة إلى خلق مدينة «آبارتايد» حيث لا يعامل الفلسطينيون كمواطنين ويحرمون من أبسط حقوقهم. ومن جهة اخرى، يسجل معسكر السلام في اسرائيل تراجعات متلاحقة إلى درجة التلاشي تقريبا بينما تميل السياسة الإسرائيلية بشكل متزايد إلى اليمين المتطرف.
ومن الواضح ان الطريقة الوحيدة للرد على هذا الاتجاه العنصري في «إسرائيل» تتمثل في تكثيف الضغط الدولي على «إسرائيل» لأن كلمات الشجب والتنديد الصادرة عن إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي لم تثمر أي نتيجة، ولا تجميداً للمستوطنات، فضلا عن الانسحاب من الأراضي المحتلة.
ولهذا السبب، فقد قررت دعم الحملة الداعية إلى مقاطعة «إسرائيل»، والتي أطلقها نشطاء فلسطينيون في تموز 2005 وحشدت منذ ذلك الوقت دعما واسعا في انحاء العالم، وذلك بهدف اجبار «إسرائيل» على احترام التزاماتها في إطار القانون الدولي ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير. وحيث أخفقت كل السياسات الرامية الى دفع «إسرائيل» الى تغيير سياساتها، فإن ممارسة ضغط دولي كبير عليها هو الطريقة الوحيدة لتجنب مواصلة العيش في ظل هذا النظام العنصري.