وسواء انتخب الرئيس الحالي حميد كرازاي أم وزير خارجيته الأسبق عبدالله عبدالله، لا فرق بينهما. وبدلاً من ارسال المزيد من القوات الأجنبية إلى أفغانستان، الأجدى بالولايات المتحدة وحلفائها في منظمة الناتو البحث عن استراتيجية تفضي إلى مغادرة هذا البلد التعيس بأقصى سرعة.
ومازالت تلك الحرب التي انقضى عليها ثماني سنوات، بعيدة كل البعد عن أن تنفض، لقد أزهقت تلك الحرب، لغاية الآن حياة أكثر من /780/ جندياً أمريكياً وأكثر من /200/ جندي بريطاني. بينما النفقات المالية الأمريكية وصلت إلى مبلغ خيالي بلغ /220/ مليار دولار، كانت، لو أنها أنفقت في سبيل مشاريع تنموية، حولت ليس أفغانستان فحسب، بل أيضاً الدول المجاورة لها، وطالما شبهت الحرب تلك بحرب فيتنام، فقد آن الأوان للخروج منها.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكذلك رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، في مناسبات عديدة أن للحرب هدفاً هو حماية المجتمعات الغربية من هجمات ارهابية، وتفادي هجمات /11/ أيلول أخرى.
إلا أن هذه الفكرة لا تستند على أي أساس، بل كشفت عن بطلانها. ومن الجائز التأكيد أنه كلما طال أمد الحرب، كلما زاد عدد الضحايا في صفوف الأفغان والباكستانيين، وكلما ازدادت امكانية مطالبة المسلمين في العالم أجمع بالثأر من العدو الغربي.
ولم تعد تشكل القاعدة، منذ زمن طويل المنظمة البنيوية والمركزية، بل هي مجرد مفهوم، عتبة، ومصدر إلهامي بالنسبة للبعض، ومصدر خطر بالنسبة للبعض الآخر، كيان يكافح البعض من خلاله بالأفكار أكثر من بنادق هجومية.
وهذا ما اعترف به الرئيس أوباما عندما دافع عن مشروع مصالحة مع العالم العربي المسلم، وطرح مبادرات عديدة ترمي إلى نشر التعاون مع البلدان المسلمة في ميدان العلوم والتربية والتكنولوجيا والصحة.
علاوة على أنه أدرك أن الانسحاب من العراق سينهي الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، على قاعدة انشاء دولتين، يسمح بتحسين العلاقات المسممة بينهما.
وكل ذلك يثير الاعجاب وجدير بالحث عليه وتشجيعه. ولكن، ومن جهة أخرى، يبدو أن الرئيس الأمريكي اعتبر الحرب في أفغانستان بمثابة (ضرورة، وحتمية). وهذا ينطوي على خطأ فادح. وربما الخطأ الرئيسي في سياسته الخارجية. وعليه تصويبها فيما لو أراد عدم الغوص في هذا المستنقع.
وينبغي عدم التشجيع على هذه الانتخابات الرئاسية، كما سابقاتها. حيث لا أحد يمكن أن يزعم أن هذا البلد مستعد لتبني نموذجاً مماثلاً من بعيد أو قريب للنموذج الديمقراطي. لأن الغالبية العظمى من الأفغان تريد قبل كل شيء فرص عمل، مياه صالحة للشرب، كهرباء ونظام قضائي عادل ومنصف من أجل فض النزاعات، إنهم يريدون أيضاً التحرر من قبضة وقمع سادة الحرب، ويتطلعون إلى الانتهاء من الوجود العسكري الغربي، والهجمات ضد القرى، واطلاق الصواريخ التي تقطع الأواصر العائلية وتقتل الأطفال، أي بمعنى آخر، إنهم يريدون السلام.
وأي سبب كان لا يبرر إرسال الجنود الغربيين ليلاقوا الموت في أفغانستان، من أجل فرض نموذج المجتمع الغربي على شعب لا يريد هذا النموذج، في معظمه.
من الضروري على الرئيس أوباما وحلفائه الغربيين مقاربة استراتيجية جديدة بالسرعة القصوى. وبدلاً من شن الحروب، عليهم دعوة زعماء القبائل وزعماء دول المنطقة إلى مؤتمر سلام.
ومما لاشك فيه أن قطع وعد صغير بسحب القوات العسكرية سوف يلقى ردود فعل مشجعة. علاوة على ذلك، سوف يحث توظيف ملايين الدولارات كمساعدات للتنمية الشعب الأفغاني على فض خلافاتهم و نزاعاتهم من أجل ايجاد نموذج حكومي، دون تدخل خارجي.