وإلقاء كل طرف تبعة ذلك على الآخر، جعلنا نعتبر هذا التقدم البطيء لجهة استئناف محادثات السلام أو بمعنى آخر الزحف نحو إحياء المفاوضات، أمراً ممكناً بسبب الضغوط الأميركية والأوروبية على نتنياهو.
بعد الاجتماع المنعقد مع رئيس الحكومة البريطانية غوردن براون في يوم الثلاثاء، التقى نتنياهو في اليوم التالي مبعوث الرئيس الأمريكي باراك اوباما الى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، في لندن. وتركزت المناقشات على بذل الجهود الأمريكية والأوروبية لدفع نتنياهو للموافقة على تجميد البناء في مستوطنات الضفة الغربية، وهو ذات الشرط الرئيس الذي وضعته السلطة الفلسطينية لاستئناف المحادثات مع إسرائيل.
على الرغم من الضغوط الشديدة التي يمارسها اليمينيون المتشددون في الائتلاف الحكومي على رئيس الحكومة نتيناهو، والتي تقوم على رفض ما يطلب منه إزاء المستوطنات، فقد بينت تصريحاته في لندن إمكانية تعديل مواقفه المتشددة تجاه تجميد البناء فيها، حيث صرح قبيل اجتماعه مع ميتشل بقوله:إننا نسعى لتحقيق تقدم، لذلك اتخذت حكومتي خطوات نظرية وعملية لتحقيقه. وبعدها غادر الى ألمانيا للاجتماع مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل (كآخر محطة في رحلته الأوروبية) التي طالما توخت الحذر بشأن ممارسة الضغوط على إسرائيل، لكن المسؤولين الألمان أشاروا بتصريحاتهم الى أن المستشارة ستذكّر نتنياهو عند اجتماعها به يوم الخميس بأن موقف برلين يقوم على وقف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وإبرام اتفاق سلام نهائي يستند على حل الدولتين.
يبدو ان توجهات نتنياهو كانت منسجمة مع المطلب الألماني الثاني، حيث عدل بعد ثلاثة شهور من فوزه في الانتخابات الإسرائيلية من موقفه القائم على رفض قيام دولة فلسطينية، وذلك بعد ان وجد ان الولايات المتحدة وأوروبا تصران على حل الدولتين، لكنه اعتبر بأن تحقيقها يتطلب توفر شروط يعتبرها الفلسطينيون مرفوضة مثل نزع السلاح الفلسطيني، وعدم السيطرة على المجال الجوي او عودة اللاجئين، كما رفض مطلبهم بجعل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية مؤكدا على بقائها العاصمة الموحدة لإسرائيل، وبذلك فإنه تجاهل معظم الطلبات التي تقدمت بها السلطة الفلسطينية لإقرار السلام، لكن نتنياهو وجد نفسه محاصرا بضغوط تمارس عليه من الدول الغربية لإلزامه بالانصياع الى النداءات العالمية الخارجية المتمثلة بوقف الاستيطان في الضفة الغربية.
ان تقديم نتنياهو تنازلات ذات أهمية بشأن البناء في الضفة الغربية سيفضي الى اثارة غضب شركائه في الائتلاف الحكومي المتشدد. أولئك الشركاء الذين يمكنهم إسقاط حكومته بخروجهم منها احتجاجا على ذلك، وإزاء هذا الواقع لم يجد مناصا من العمل على التسويق لفكرة اتفاق تسوية يقوم على التوقف عن الاستمرار بإقامة مبان جديدة مع حق إسرائيل باستكمال البناء في المواقع التي باشرت بتنفيذها. ونظير ذلك تطالب اسرائيل ان تبدي الدول العربية حسن نية تجاهها مثل فتح المكاتب التجارية، والتبادل الثقافي، وفتح المجال الجوي امام الطائرات التجارية الاسرائيلية، وذلك لتشجيع العودة للمحادثات، وتهيئة الأجواء المناسبة لتحقيق سلام دائم في المنطقة.
لكن الفلسطينيين لا ينظرون الى تلك المقترحات على أنها تشكل أساسا للعودة الى المفاوضات. في الوقت الذي يرى فيه شركاء نتنياهو في الحكم أنها تشكل تنازلات كبيرة حيث يقول يوسي مكلبيرج الخبير في شؤون الشرق الأوسط مدير شاثام هاوس، ومدير برنامج العلاقات الدولية في جامعة ريغنت في لندن: ان السياسة هي فن إيجاد السلالم الطويلة التي يتمكن من خلالها القادة من التسلق على الأشجار الباسقة مع المحافظة على ماء الوجه عند تقديم التنازلات ويرى اان التنازل يتطلب اتخاذ خطوات حذرة وصغيرة تنفذ بسرعة ثابتة، حيث نجد أنفسنا نتحدث اليوم عن تجميد الاستيطان، وهو أمر صغير جداً إذا ما قورن بقضايا اخرى مثل القدس، وترسيم الحدود، ومصير اللاجئين، ومع ذلك من المهم البدء باتخاذ خطوة صغيرة.
إن التحرك بشأن قضية الاستيطان حتى ولو كان منقوصاً فإنه يمكن أن يمهد الطريق لإجراء لقاء بين نتنياهو ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الشهر القادم. كما وإن اللقاء المباشر قد يشكل تأكيدا للسياسة الخارجية التي أعلنها اوباما واعتبرها من أولوياته لإرساء السلام النهائي في الشرق الأوسط. وقد يفضي إلى تقدم في العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية التي شهدت تدهورا بشكل مثير وأدت الى تزايد في التشدد والعداء المتبادل.
ما زالت الخطوات صغيرة وحذرة وبطيئة جداً وقد بينت دراسة اجرتها شركة ماجور موحيت لاستطلاع الرأي على أن ثلثاً ممن تم استطلاع رأيهم قد أعربوا عن مشاركتهم اليمين المتشدد في رفضه عملية تجميد الاستيطان في الضفة الغربية حتى لو تلقت اسرائيل مكافأة مقابل ذلك من الدول العربية.
قال مكلبيرج: إن الخطورة تكمن في اليأس والعجز الذي استحوذ على الشعبين اللذين أصبحا يعيشان نوعاً من اللامبالاة من مناقشات وحوارات غير مجديةب وأضاف: إن إحداث قفزة كبيرة لم يحن أوانها بعد، لذلك فإن الاكتفاء بخطوات صغيرة هو الخيار الوحيد لأن الحركة البطيئة أفضل بكثير من التوقف أو المراوحة في المكانب.يبدو أن الدبلوماسيين الأمريكيين قد بدوا في الأسبوع الماضي متفائلين في نظرتهم الى نتيناهو حيث بدلوا تسميته من السيد «لا إلى السيد ممكن».