وقد ابتدأ مقاله بتعريف النقد الأدبي بأنه «علم القيمة والدراية بما تنطوي عليه النصوص من قيم فنية...» والغريب أن هذا التعريف نفسه موجود حرفياً في الصفحة الثالثة والثلاثين «33» من كتاب لي عنوانه «القيمة والمعيار», وهو الذي صدرت طبعته الأولى عن دار كنعان بدمشق سنة 2000, وصدرت طبعته الثانية عن الدار نفسها عام 2003.
وبودي أن أؤكد على أن الدكتور لو سرق الكتاب كله وترك هذه الفكرة وحدها لتقلصت المصيبة إلى النصف, ولكنه اختار التعريف الذي أراه زبدة جهودي كلها في مضمار النقد الأدبي, ونسبه إلى نفسه, دون أي تبكيت من ضمير. فهذا التعريف هو أعز فكرة على فؤادي بين جميع الأفكار التي كتبتها طوال حياتي, وذلك لأنها تحكم منهجي النقدي في الطور الأخير من أطوار عمري الكتابي كله.
ولم يكتف الدكتور بانتحال هذا التعريف وحده بل تمادى وسرق الكثير حتى جاء مقاله الآنف الذكر بمثابة تلخيص لروح الكتاب الذي هو حصيلة تطور دام عشرات السنين. فهو يتابع في السطر الأول من مقاله نفسه: «والنقد معياري بالضرورة لأن العقل والذائقة اللتين تنتجهما معياريتان. فالعقل لا يقبل إلا ما له قيمة..»
ولقد جاء في الصفحة السادسة من كتاب (القيمة والمعيار): (( ولعل مسألة القيمة والمعيار أن تكون واحدة من أبرز القضايا الأدبية وأحقها بالبحث والنظر, إذ العقل البشري معياري بطبعه أي بحكم ماهيته نفسها, فهو لا يقبل من الأشياء إلا ما كان ذا قيمة وحسب...)) ومما هو ناصع أن السرقة هاهنا جلية لا تخفى بتاتاً.
ثم يصرح الدكتور في أواخر العمود الثالث من مقاله هذا: ((وفساد الذوق العلة الكافية لكل انحطاط..)) وقد جاءت هذه الفكرة جهرة في الصفحة الثانية عشرة من كتاب(القيمة و المعيار): ((ولا ريب في أن ذلك الفساد هو العلة الكافية لكل انحطاط...)) والمقصود في هذا السياق هو فساد الذوق حصراً, وهو ما تدل عليه الجملة السالفة أو السابقة لهذه الجملة مباشرة. ويقولالدكتور في العمود الثالث من مقاله الآنف الذكر:((على النقد محاربة الغوغائية.)) وقد جاء في الصفحة الثانية عشرة من كتاب(القيمة والمعيار):((إن الغوغائية هي الرحم الذي يخبئ جميع الشرور في داخله الجهنمي الأسود))
ويضيف الدكتور في أواخر العمود الثالث من مقالته هذه: ((والانتشار ليس حكم قيمة على النصوص)) وقد جاء في الصفحة الخامسة عشرة من كتاب(القيمة والمعيار): ((الانتشار الواسع لا يملك أن يكون معياراً كلياً لاستصدار حكم القيمة.))
ثم إنك ترىالدكتور: وهو يصرح في أواخر العمود الثالث من مقاله إياه: ((يبقى الزمن هو القيمة المعيارية العليا, وهو الناقد الحقيقي للنصوص.)) وقد جاء في الصفحة الرابعة عشر من كتاب «القيمة والمعيار»:((يصح القول بأن الناقد الجهبذ هو الزمن وحده))
وفوق ذلك فإن مقولات القيمة والمعيار والذائقة شديدة التواتر في مقالة الدكتور وهي التي جاءت بمثابة تلخيص لكتاب (القيمة والمعيار), ولكن دون أية إشارات إلى مصادرها. وفي الحق أن هذه المقولات الثلاث هي المحتوى الجوهري أو الصميمي للكتاب نفسه وهذا يعني أن الدكتور قد انتحل خلاصته أو زبدته دون أي شعور بالمسؤولية.
ثم إنني توقعت أن يكون الدكتور قد اختلس شيئاً من أفكاري وبثها في كتبه, فما كان مني إلا أن اشتريت كتيباً له عنوانه (الانفتاح الدلالي للنص) وقرأته من الغلاف إلى الغلاف, ولكني للحقيقة لم أجده قد اختلس مني سوى الفقرة الأولى من مقاله الآنف الذكر وتبناها في مطلع كتابه هذا. وبذلك أصر الدكتور على أن ينسب إلى نفسه تعريف النقد الأدبي بوصفه علم القيمة.
يقيناً أن هذا الإفراط في التمادي والفساد لا يقل عن كونه فعل أطفال قاصرين, بل ربما فعل كائنات معطوبة الذهن, فلا تحترم أية قيمة ولا أي معيار مهما يك نوعه. وربما جاز القول بأن هذه هي الفجاجة بأم عينها.
أما كتيبه هذا فهو شيء ركيك أو هزيل جداً, ولا قيمة له البتة عند كل من له قيمة. فهو فقير بأي محتوى ذي بال, مع أنه قد يوهم من لا دراية له بأنه شيء أصلي وعميق. وهو يتأسس على ذلك المبدأ الذي أسميه(أزيز الكلمات).فاللغة هنا تئز وتطن, ولكن دون أن تقول سوى ما هو أقل من القليل . ترى هل يحسب بطرس أنه الصخرة التي سوف يتأسس عليها النقد الحديث, أو النقد الذي سوف يسود المستقبل كله ؟