|
فواز أرناؤوط ثنائية الموهبة والتكنولوجيا ملحق ثقافي
إذ احتضنتها منذ ما يربو على ثلاثين عاماً، وبالتحديد منذ كانت لا تزال على مقاعد الدراسة في محترفات كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق أواسط سبعينات القرن الماضي، ولا زالت بين كنفها حتى اليوم، فهو منذ نحو ثلاثين عاماً يعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويعمل في «البيان» إحدى أبرز وأهم صحفها اليوميّة الصادرة في مدينة دبي، وتالياً يقدم عبرها ومن خلالها، كشوفاته وإبداعاته الفنيّة، إن على صعيد الإخراج، أو الرسوم التوضيحيّة المتميزة تشكيلاً وتعبيراً.
بدأ الفنان فواز أرناؤوط حياته الفنيّة منذ كان صغيراً (مواليد منبج عام 1955) حيث تلمس الدرب مبكراً إلى الفن، وتابع الحركة الفنيّة التشكيليّة السوريّة من مسقط رأسه ومن مدينة حلب التي أمضى فيها طفولته ويفاعته، ودخل فيها معترك الفن عبر مركز فتحي محمد للفنون التشكيليّة، الذي تعرف من خلاله، على الصورة الصحيحة للفن، إذ اتبع أربع دورات متتالية فيه، على مدى عامين، درس فيها الرسم والتصوير والنحت، ضمن ثلة من الزملاء الموهوبين الذين أصبحوا من بين الأسماء البارزة في الحياة التشكيليّة السوريّة المعاصرة. لقد عاش فواز في مركز فتحي محمد حالة صحيّة وصحيحة من التنافس الفني الجاد بين زملاء الدراسة، واحتك بمجموعة من الفنانين التشكيليين الكبار (لؤي كيالي، اسماعيل حسني، وحيد اسطنبولي، طالب يازجي) الأمر الذي ساهم بتطور تجربته الفنيّة وبلورتها ونضجها، ما أهله ليأخذ طريقه بسهولة ويسر، إلى محترفات كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق (عام 1974) حيث تعرف فيها على فنون جديدة. ولأنه في الأساس، متمكن من الرسم والتصوير والفنون الغرافيكيّة والنحت، اتجه إلى دراسة العمارة الداخليّة (الديكور) وتخرج بهذا الاختصاص عام 1979.
الدراسة الأكاديميّة في كلية الفنون الجميلة بدمشق، تمكن فواز من التمييز بين مفهوم (اللوحة) و(الملصق) و(المحفورة) و(المنحوتة) و(الصورة) غير أن ما لفت انتباهه أكثر من غيره هو اختصاص (العمارة الداخليّة). فقد كان تهافت طلبة الكلية على هذا الاختصاص (لا زالت هذه الحالة قائمة حتى اليوم) كبيراً ومثيراً، ما دفعه إلى اختيار هذا الاختصاص مجالاً أساسياً لدراسته الأكاديميّة، ولأنه في الأساس كان متفوقاً في اختصاصات الكليّة كافة (يدرسها الطالب قبل التخصص) فاز بسهولة ويسر، بهذا الاختصاص المطلوب والمرغوب. أثارته (العمارة الداخليّة) كاختصاص جديد، وتخيل أنه قد يجد فيه شيئاً مجهولاً ومثيراً، فدخله دون أن يتوقف عن ممارسة الاختصاصات الأخرى، لا سيما الفنون الغرافيكيّة التي كان يمارسها خارج نطاق الدراسة الأكاديميّة، في عدد من الصحف والمجلات الدمشقيّة، قبل أن يستقر بشكل نهائي، في الصحافة الإماراتيّة. اهتمامات متنوعة بدأ فواز أرناؤوط تجربته الفنيّة العمليّة، خارج محترفات كلية الفنون، مع رسوم الأطفال التي نشرها في مجلة (أسامة) كما أثارت انتباهه، ملهمة الفنانين، عاشقة الصخر والتاريخ، بلدة (معلولا) فوضع لها العديد من اللوحات وعرضها في أكثر من مناسبة، كما خاض غمار المسابقات الخاصة بالتصميم والفنون الغرافيكيّة، وحصل من خلالها، على العديد من الجوائز، وبعدها جاءته السانحة التي طالما حلم بها وانتظرها، وهي (تصميم الطوابع) التي سرعان ما خاض غمارها، مدفوعاً بشوق ورغبة، آملاً أن يترك عبرها: نتاجاً فنياً متميزاً، يشير إليه، بشكل دائم. بخط موازٍ، وبنفس الزخم، كان فواز يتطلع إلى اللوحات الجداريّة التزينييّة، غير أن تصميم الطوابع أخذ منه جل وقته، ولبى طموحاته آنذاك، فحصل على الجائزة الأولى في إحدى مسابقات تصميم الطوابع السوريّة، وكان يومها لا يزال طالباً في السنة الثالثة في كلية الفنون، وقد استغرب القيمون على المسابقة أن يكون الفائز الأول من الطلبة. استمر فواز في تصميم الطوابع، والرسم للأطفال، وإنجاز رسوم توضيحيّة وكاريكاتيريّة لعدد من الصحف والمجلات السوريّة، وتصميم الإعلانات المختلفة، من خلال عمله لمدة أربع سنوات، في المؤسسة العربية للإعلان.
نضج التجربة عقب تخرجه من كلية الفنون، وانشغالاته المتشعبة في فنون الرسم والتصميم والإعلان، سنحت له فرصة العمل في الخارج، فوقع عقداً وانتقل للعمل في دبي ولا زال يتابع فيها نفس الاهتمامات، مع تركيز أكبر، على الإخراج الصحفي، وتصميم (ماكيتات) المجلات، والرسوم التوضيحيّة، وأغلفة الكتب، وإنجاز اللوحة الزيتيّة والمائيّة، بين الحين والآخر. وشيئاً فشيئاً، بدأت تجربته الفنيّة تتوضح وتتبلور، مميطة اللثام عن رسام ومصور ومصمم غرافيكي متمكن من أدوات تعبيره. يمتلك الموهبة والخبرة في آنٍ معاً، الأمر الذي وفر له فرص النجاح وإثبات الوجود والتمايز، في كل موقع ارتاده، ومجال خاض غماره. تجربة جديدة لافتة مؤخراً، وأثناء وجودي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وزيارتي لمكاتب جريدة (البيان) في دبي، لفت انتباهي مجموعة من الرسوم الجديدة التي ينفذها الفنان أرناؤوط، لوجوه معروفة في الحياة السياسيّة والفنيّة العالميّة، بوساطة تقنية حاسوبيّة متطورة، تعطي نتائج فنية متكاملة شكلاً وتعبيراً، ومتفردة عن غيرها، من المزايا والإمكانات التي وفرها الحاسوب، للمشتغلين في مجال الرسم والتصميم، والتي (أي المزايا والإمكانات) غطت على ضعف موهبة وخبرة العديد من الفنانين التشكيليين والمصممين الغرافيكيين، ووضعت بين أيدي طلبة كليات الفنون الجميلة فرصاً كبيرة، لإنجاز وظائفهم ومشاريع تخرجهم، بأبهى شكل، وأجمل هيئة، وأكبر إدهاش وتمايز. الأمر مختلف مع التقنية الحاسوبيّة الجديدة التي يستعين بها الفنان فواز أرناؤوط على تنفيذ رسومه، إذ يلزمها يد رسام موهوب وخبير ومتمكن، للخروج بمنجز فني لافت. بمعنى أنه لا يمكن للمواهب الفنيّة المتواضعة، الاختباء والتلطي وراءها. ما يلفت الانتباه أيضاً، محافظة هذه التقنيّة على أسلوبيّة الفنان وخصائص ومقومات فنه، ما يؤكد قيام حالة من التعاون والتآلف، بين إمكانيات الجهاز وقدرات الفنان المحرك له، وهو ما يبدو جلياً وواضحاً إلى حد كبير، في الرسوم الوجهيّة التي ينفذها حالياً، الفنان أرناؤوط، وبصيغ وأساليب وتقانات مختلفة، تفرضها عليه تضاريس الوجه المُعالج، وموقفه الشخصي من صاحبه، والإيحاء بالدور الذي يلعبه، أو المهنة التي يمارسها.
إمكانات الرسام والمصور يعكف الفنان أرناؤوط منذ سنوات، على إنجاز أعمال فنيّة متفرقة، ينشر معظمها فوق صفحات (البيان). يعالج في بعضها الوجوه، وفي الأخرى أفكار أوليّة للوحات جداريّة زخرفيّة السمة، وفي الثالثة، يتصيد مواقف سياسية طريفة، يعكسها بصيغة كاريكاتيريّة تختزل أسلوبيته في الرسم والتلوين، وتنم في الوقت نفسه، عن نزعة تتملكه منذ بدأ مشاوره الأول مع الفن، هي نزعة (رسام الكاريكاتير) الذي لا زال يسكنه، ويحاول الظهور بين الحين والآخر. في أعمال الفئة الأولى، يقدم الفنان أرناؤوط، تجارب مختلفة، يعالج فيها، وجوه نساء، ومشاهد حياتيّة يوميّة، بأسلوب زخرفي الطابع، يتقاطع مع خصائص الزجاج المعشق تارة، في وضوح وقوة الخطوط والألوان وتباينها الصريح، ومع الزخرفة والتزيين تارة أخرى، وثمة أعمال يستخدم فيها وحدة هندسية محددة هي المثلث المتدرج من لون واحد في كل عنصر أو شكل، ما يوحي بالتجسيم والحركة ويقارب خصيصة التصوير الجداري المنفذ بالفسيفساء أو الخزف، وكل ذلك، دون التضحية بملامح العناصر وبنيتها وخصائصها المتميزة. أما تجربته الأهم والأبرز، فهي مع الوجوه السياسيّة والدينيّة والفنيّة التي تتناقلها الأخبار، وفيها نقف على عدة معالجات وتقانات، يبرز في بعضها الخط (الرسم) كعنصر تعبيري وتشكيلي أساسي، وفي بعضها الآخر، يأخذ هذا الدور اللون وتدرجاته، وفي أعمالٍ أخرى، يوفق إلى حد بعيد، بين هاتين القيمتين الأساسيتين في العمل التصويري.
ففي حين يتكئ الفنان أرناؤوط، للإيحاء بالظل والنور والحجم، على اللون الواحد ومشتقاته (بني، أسود) وبلمسة ناعمة مدغومة يحدد فيها هيكليّة العناصر وماهيتها، نراه في أعمال أخرى، يُوظّف اللون والخط (الرسم) لهذه الغاية، دون أن يُضعف حضورهما في العمل، أو ينحاز لأحدهما. وفي الوقت الذي يبدو فيه واقعياً في اختيار درجات الألوان، يبدو في أعمال أخرى، متحللاً من هذه الواقعيّة، لكن دون أن يضحي بالشبه، أو بالنسب التشريحيّة الصحيحة، وإنما يقدم هذه الخصائص والمقومات، ضمن إطار فني رفيع، وجو تعبيري عميق، يحدد من خلاله، موقفه السلبي أو الإيجابي، تجاه الشخص المرسوم. في أعماله عموماً وعلى اختلاف التقنية المستخدمة فيها (زيتي، مائي، إكريليك) يؤكد الفنان أرناؤوط، على تعاضد الرسم واللون، والشبه، ويولي القطع (التكوين) اهتماماً كبيراً، كما يؤكد كثيراً على الحالة التعبيريّة التي يذهب بها أحياناً، من جو اللوحة الكلاسيكيّة الرصينة المعالجة بعمق وخبرة ومعلميّة كبيرة، إلى نزعة كاريكاتيريّة متأصلة فيه، يُهرّب من خلالها، موقفه الشخصي تجاه الموضوع المعالج، دون التفريط بفنيّة العمل، أو الاستخفاف بقيمه التشكيليّة والتعبيريّة، مهما كان موقفه من الشخص المرسوم.
|