في حين تنشط قوى الإرهاب وعلى رأسها الكيان الصهيوني والعصابات التكفيرية التابعة له على خط التصعيد والعدوان بهدف لفت الأنظار وخلط الأوراق على أمل أن يتذكرهم أحد ما على طاولات التفاوض الموعودة، فيما تصطدم عواصم التخلف والتبعية والانقياد الخليجية بحائط النسيان والتهميش بعد أن حرقت معظم أوراقها دون فائدة أو جدوى.
وعلى وقع ذلك تنشط محطات البترودولار الخليجية على خط الملخصات والعواجل الإخبارية الملفقة التي تصيب متابعها بالدهشة والاستغراب بسبب سذاجتها وخفتها ودرجة الانحطاط التي وصلت إليها في التعاطى مع مشاهديها، بعد أن تحولت بطواقمها إلى مجرد أبواق مأزومة لبثّ الشائعات الرخيصة والأكاذيب المكشوفة، مستعيدة بذلك ذكريات «شهود العيان» المزعومين ممن كانوا يدلون بشهاداتهم وهم على بعد مئات بل آلاف الكيلومترات عن الموقع الحقيقي للحدث كما هو حال ما يسمى «المرصد السوري» الذي ينشط صاحبه في لندن، فمتى كانت باريس ناطقة باسم طهران، أو كانت أنقرة متحدثة باسم موسكو، ومتى كانت واشنطن وتل أبيب والرياض والدوحة وعمان صالحة لنقل أخبار سورية وما يجري على أراضيها..؟!
فمنذ أن أعلن المبعوث الأممي سيتفان دي ميستورا عن مبادرته بشأن مدينة حلب وتجميد القتال فيها لم يتوقف بث الشائعات والأخبار الكاذبة حول المبادرة والاتفاقات والتسويات المزعومة المنسوبة إلى مصادر وهمية، وكذلك الأمر بالنسبة للمساعي الإيرانية والروسية بخصوص حل الأزمة في سورية والتي بدت باريس وكأنها تعرف عنها أكثر مما يعرفه الحلفاء وأصحاب الشأن والقرار في كل من دمشق وطهران وموسكو.
ما من شك أن مثل هذه الشائعات والأكاذيب تعكس وتختصر حجم الإخفاق والإحباط الذي يعاني منه القائمون على هذا الإعلام والجهات الممولة له، بعد أن سقطت كل رهاناتهم على إسقاط سورية وإلحاقها بمحور الانهزام والتبعية الذي ينتمون إليه، فالجميع بات يعلم ـ بما في ذلك محور التبعية والتآمر والعدوان على سورية ـ أن التنسيق والتفاهم والتعاون والتحالف القائم بين كل من دمشق وطهران وموسكو بات أكبر وأعمق وأوثق من أن يؤثر عليه بعض المرتزقة والمأجورون ممن يشغلون أنفسهم ببث الأخبار المنقولة عن مصادر وهمية وصحف مجهولة، وما جرى في عواصم القرار وما صدر عنها في الأسابيع والأيام الأخيرة شكّل صدمة عنيفة للمراهنين على تفكك هذا التحالف أو تخلي أحد مكوناته عن الآخر، فما قاله الرئيس فلاديمير بوتين بالأمس في أنقرة على مسمع أردوغان عن إرادة الشعب السوري وخياراته القوية والواضحة، وما يقوله المسؤولون الإيرانيون كل يوم عن استمرار دعمهم لخيار وصمود هذا الشعب وقيادته لا يحتاج إلى تفسيرات أو تأويلات أو تحليلات كي يفهم المرء معناه الحقيقي، فأي حل لا توافق عليه دمشق ولا يلبي مصالحها لن توافق عليه روسيا ولا إيران ولن يكون له أي نصيب في المستقبل.
وللتذكير فقط فإنه منذ الأيام الأولى للأزمة كانت القيادة السورية قد اقترحت إقامة حوار وطني لنزع فتيل الأزمة والوصول إلى حل سياسي يلبي طموحات الشعب ويجنب البلاد ويلات ما وصلت إليه اليوم، وشرعت بإقامة هذا الحوار على مراحل متعددة، كما شجعت على المصالحة الوطنية لتوفير البيئة المناسبة للحل السياسي، ولكن أعداء الشعب السوري كان لهم رأي آخر، فقد بذلوا كل ما بوسعهم لمنع إقامة أي حوار أو تفاهم، ولجؤوا إلى استخدام العنف والإرهاب وسيلة لتعطيل كل جهد إيجابي وجاد لوقف التأزم والتصعيد، وعملوا على إرسال المال والسلاح والإرهابيين من كل أنحاء العالم إلى سورية، وعقدت الصفقات المشبوهة وأقيمت الأحلاف العدوانية وحيكت المؤامرات من قبل الأعراب قبل الأجانب وصولاً إلى ما نشاهده اليوم من انتشار للإرهاب والقتل والتخريب والجماعات الإرهابية والتكفيرية على مساحات واسعة من وطننا.
ورغم كل ما جرى ويجري من تصعيد فإن الحل لن يكون إلا سوريّاً وبإرادة سورية ومن خلال السوريين أنفسهم، وكل ما يأتي من الخارج باستثناء الجهود والمساعي الطيبة والصادقة التي يبذلها الأصدقاء الحقيقيون للشعب السوري لن يكون له أي مكان على الأرض السورية، لأن الحلول المفروضة من الخارج والوصفات الجاهزة من قبل الآخرين لا تحل أزمة ولا تبني وطناً ولا يمكن أن تعمر طويلاً، وستبقى الرؤية السورية للحل هي الأوفر حظاً في البقاء والاستمرار، ولذلك لابد من محاربة الإرهاب ودحره مهما كلف الثمن لأنه لا يستقيم أي حل مع وجود الإرهاب والبيئات الحاضنة له محليا وإقليميا ودولياً، ولا بد من إتمام عمليات المصالحة وفتح باب الحوار على مصراعيه لتفويت الفرصة على المتربصين والمتآمرين ممن يحاولون إفشال أي بارقة أمل عبر إطلاق الشائعات والأكاذيب.