تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كمال محيي الدين حسين بين اللوحة والنقد التشكيلي .. الحلــم السـوريالي كطريــق للانبعـــاث والخـلاص

ثقافة
الاثنين 15-12-2014
أديب مخزوم

في الهوية الفنية للفنان والناقد التشكيلي كمال محيي الدين حسين (من مواليد طرطوس عام 1943) نجده يدخل ضمن أنطولوجيا فن «الفانتستيك» فهو يرسم انفتاحه على العوالم الداخلية للتعبير عن مناخات الخيال، والمجاهرة بالرؤى الغرائبية والخرافية والكابوسية الآتية من الأحلام أو من الذاكرة الداخلية،

فالعالم الخيالي الذي يحاول التوغل فيه، هو عالم اللاوعي، لإبراز رموز أحلامه السوريالية، التي تتطلب إظهار الحركة الداخلية لتداعيات معطيات اللاشعور، المنفتحة على تجليات رؤى هذيان تكاوين سراب الوهم الخرافي.‏

تحقيق عناصر الصدمة‏

وهو يولف أشكاله برؤى غرائبية، تقترب من تداعيات الحكايا الاسطورية، وبالتالي يجمع صور الواقع ومعطيات الخيال في خطوات الوصول إلى الصدمة البصرية،‏

المفتوحة على عالم غريب وغامض أشبه بعوالم الأحلام المكشوفة على تداعيات معطيات اللاشعور، أو ما يسمى بالأحلام الهاذية التي صاغت المناخ السوريالي، إثر الانقلاب الأبيض الذي أعلنه الشاعر «أندريه بريتون» في العام 1924 وأسفر عن اندماج جماعة فن «الدادا» في حركته خلال السنوات المضطربة (بين الحربين) عندما كان العالم كله يعيش حالة شلل روحي من جراء الخوف والعبث والفوضى المطلقة.‏

فالرؤى السوريالية كانت بالنسبة لكمال وطوال أكثر من نصف قرن، بمثابة فسحة لتسجيل مفارقات الحياة العصرية، داخل عناصر الأشكال المتخيلة والمتناقضة إلى أقصى حالات التناقض والمفارقة.‏

صدى الانكسارات والخيبات‏

ومن أجل الوصول إلى تفاصيل الصورة الخيالية، في مظهرها المأساوي والدرامي، اعتمد طريقة تجسيد الأحلام الكابوسية الآتية من عوالم اللاشعور، والتي تسجل في النهاية الكثير من التفاصيل القادمة من الواقع الحياتي المثقل بالفواجع في أزمنة الحروب والويلات المتواصلة دون نهاية. فالرؤى السوريالية المترسبة في أعماق الذاكرة اللاواعية، ما هي في النهاية إلا صدى لما يدور في مسرح الحياة اليومية، وبالتالي فالأشكال الخيالية والأسطورية واللامنطقية المستعادة في كل لوحة من لوحاته، تشكل أكثر من فسحة للتعبير عن لامنطقية الواقع الراهن.‏

وهذا تأكيد على انجذابه منذ بداية تجاربه السوريالية لصياغة الحالات اللاشعورية، التي وصفها «ماكس ارنست» بأنها خطوة في اتجاه البحث عن مشاعر الخلاص، ولم يكن موقفه سوى ردة فعل ضد قرار «هتلر» الذي أوعز بإبعاده عن ألمانيا وأمر بإحراق لوحاته التي اتهمت بالانجراف والجنون واللامنطق.‏

هكذا نجد أن موقف كمال محيي الدين حسين، من تصاعدية الإحساس بمرارة واقعنا الراهن، تغلف في رؤاه السوريالية ودلالاتها الرمزية، التي تعني الحلم والخلاص واستمرارية الحياة. وليس من قبيل المبالغة القول:إنه أحد أكثر المدافعين عن الاتجاه السوريالي في حركتنا التشكيلية السورية المعاصرة، مع الإشارة الى الدور الريادي للفنان السوريالي الراحل عدنان ميسر.‏

التقاء وافتراق‏

على الصعيد التشكيلي والتقني قد يشعر المتابع لمراحل تطور تجربة كمال الفنية، أن بعض لوحاته التي انجزها في العقد الأخير، هي الأكثر ميلاً الى العفوية في صياغة مساحات اللون، ويزداد هذا الشعور حين نتأمل لوحاته القديمة، ومن ضمنها لوحته الموقعة في عام 1962 والتي عرضت في معرض «ذاكرة الفن التشكيلي في سورية» الذي أقيم في متحف دمشق الوطني خلال عام 2008. وهو في عودته إلى ينابيع الاتجاه السوريالي، الذي قلب المقاييس الجمالية المثالية، يعتمد على إيقاعات الخط الذي يحدد الرموز والعناصر والأشكال العجيبة والقريبة من السحر، ويمكن تصنيفه ضمن المنهج السوريالي المعارض لأسلوب «سلفادور دالي» رغم انه يلتقي معه في نقاط عديدة مشتركة، وبمعنى آخر هناك نقاط التقاء وافتراق بينه وبين المعلم الأشهر للاتجاه السوريالي في العالم أجمع «سلفادور دالي» الذي كان يعتمد تقنية الرسم الكلاسيكي في توليف عناصره السوريالية الخارقة إلى حدود الهذيان، وتلك التقنية الرصينة التي تحتاج إلى جلد وتأني وصبر طويل، ظهرت في بعض لوحات كمال الأولى.‏

إلا أنه في مراحل لاحقة بدا يتملص من مرتكزات الأداء التلويني الكلاسيكي، في اتجاه البحث عن أسلوبه وإحساس الخاص، حيث ظهر عفوياً وتلقائياً في توليف أحلامه السوريالية قياساً إلى لوحات دالي وأتباعه.‏

والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: أين موقع كمال ضمن هذا التيار؟ تساؤلات تحتاج إلى دراسة متأنية واحاطة شاملة بنتاجه الذي قدمه خلال مشواره الفني الطويل، حتى يتيسر لنا إبداء رأينا بوضوح، لاسيما وأنني شاهدت لوحات له تعود إلى مرحلة البدايات الأولى، وتؤكد أنه اتبع في بعض لوحات تلك المرحلةإيقاع المكعبات والاسطوانات والدوائر والزوايا، ولقد توصل إلى الاتجاه السوريالي في سن مبكرة (قبل أن يتجاوز العشرين عاماً) وبقي أميناً له، إلى يومنا هذا، ولكن دون أن يتقيّد بالنمنمة التفصيلية، وبتدرجات الظل والنور وبالصفاء اللوني في فضائية الأشكال الحلمية والمتخيلة.‏

وهذا يعني أنه بدأ حياته الفنية كرسام عصامي منذ الفتوة، ثم تحولت رسوماته من النقل الحرفي لمعطيات الواقع المرئي إلى الاستيحاءات المباشرة لتداعيات معطيات اللاشعور (عبر أعماله المنفذة منذ مطلع الستينات) والتي شكلت محطة انطلاق نحو الحلم، الذي رأينا تجلياته في تنويعات أعماله المتتابعة التي قدمها عبر سلسلة المعارض الجماعية ومن خلال معارضه الخاصة، أبرزها مشاركاته المتقطعة في المعرض السنوي للفنانين السوريين، ومعرضه الفردي في صالة السيد بمطلع التسعينات، ثم معرضه في المتحف الوطني والذي ترافق بإقامة ندوة حول أعماله. ويذكر أنه يمارس النقد التشكيلي في الصحافة المحلية والعربية، وله كتاب صادر عن منشورات اتحاد الكتاب العرب تحت عنوان «مسائل في الفن التشكيلي».‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية