تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«الجفاء الأسري».. بين شماعة الأزمة و مشجب الجهل

مجتمع
الأثنين 15-12-2014
فردوس دياب

يعتبر الجفاء الأسري من أسوأ الأمراض الاجتماعية التي تسري ببطء في جسد الأسرة والتي قد لا تظهر تداعياتها وآثارها السلبية المؤلمة في المستقبل القريب نظرا لظهور تلك الآثار في وقت متأخر

دون أن يشعر بها أحد من أفراد الأسرة الذين فرقهم غياب مشاعر الحب والحنان والعاطفة المتبادلة.‏

على هذا النحو فإنه يمكن لأي متابع أن يلاحظ انتشار ظاهرة الجفاف الأسري داخل الأسر السورية وتفشيها بشكل ملحوظ ،وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون الذين فرقتهم الهموم وباعدت بينهم الأحزان والآلام والخوف من المجهول وقادم الأيام، لكن السؤال الذي يلقي بنفسه إلى أعماق كل سوري شريف و وطني و واع، هل يجب علينا كسوريين أن نستسلم لأحزاننا وآلامنا و أن نزيد من معاناتنا معاناة جديدة عبر تدمير وتحطيم الأسرة بكامل أركانها من الداخل ؟، خاصة وأن الوطن في أمس الحاجة إلى الأسرة السورية كمنظومة وكنواة حقيقية حاملة لقيم ومبادئ الوطن الذي يتعرض لأشرس هجمة استعمارية مرت في تاريخه إلى درجة البعض بات يجعل من تلك الظروف شماعة لتعليق ضعفهم وعجزهم وفشلهم في مواصلة الطريق التي بدأها شعبنا العظيم نحو الانتصار المظفر بعد القضاء على أعداء الوطن.‏

غياب الحب ..‏

السيدة أم ريان المصري ( ربة منزل ) قالت إنها تشعر بوجود حاجز كبير بينها وبين زوجها من جهة وبينها وبين أولادها من جهة أخرى حيث حلت مشاعر العصبية والغضب على أتفه الأسباب مكان مشاعر الحب والحنان والهدوء والحوار، وأضافت أم ريان أنها نادراً ما تسمع كلمات رقيقة أو حميمة من زوجها أو من أولادها الثلاثة الذين تتفاوت أعمارهم بين الخامسة عشرة والثانية والعشرين، حتى أنها باتت تلاحظ انتشار العصبية والصوت العالي خلال أحاديث أبنائها فيما بينهم، وكذلك زوجها الذي بات أيضاً يتحدث بقلق وعصبية واضحة.‏

بدورها قالت السيدة تهاني القاسم (معلمة )إنها تعاني كثيراً من مشكلة الجفاء الأسري بين جميع أفراد عائلتها، حيث تزداد المسافة بعداً بينهم لجهة غياب مشاعر الحب والحنان والخوف المتبادل على بعضهم البعض وهذا ما يجعلها حزينة جداً على هذا الوضع الذي تقف عاجزة أمامه رغم كل محاولاتها بإضفاء مشاعر الحب والحنان على أفراد أسرتها وزوجها الذي يقابل ذلك بالتطنيش وتأجيل كل شيء متذرعا بهموم وظروف الأزمة .‏

نبع العاطفة ..‏

من جهته بين السيد حمد أبو كرم أن ظروف الأزمة العصيبة بكل أحزانها وآلامها زادت من مشاعر الحب والحنان تجاه أفراد أسرته عموماً و زوجته على وجه الخصوص التي يعتبرها أساس الأسرة و ركيزتها الأساسية ونبعها العاطفي الذي يجب ألا ينضب عبر المحافظة على غزارته وذلك من خلال إذكاء مشاعر الحب والحنان على الدوام عند الزوجة وبين جميع أفراد الأسرة.‏

أما السيد أبو فراس فقال من جهته إن ظروف الحرب التي تشن على سورية قد أثرت بشكل كبير على العلاقات والمشاعر بين أفراد الأسرة وقضت في بعض الأحيان على تلك المشاعر، لكن ذلك وبحسب أبي فراس يجب ألا يكون سبباً رئيساً للامعان أكثر في طعن الأسرة السورية لان من شأن ذلك أن يقدم اكبر خدمة لأعداء الشعب السوري الذين يحاولون تدمير الأسرة السورية التي أثبتت تماسكاً وصموداً و وعياً كبيراً خلال سنوات الحرب التي لا تزال متواصلة ضد الشعب السوري البطل.‏

ويعتبر التشخيص السليم لأي مشكلة من ضروريات وأساسيات العلاج الصحيح الذي يساعد على سرعة المعالجة ومواجهة أي مشكلة أخرى، ومن هنا يمكننا القول إن مشكلة الجفاء الأسري بين أفراد الأسرة لابد أن تبدأ من تشخيص العلاقة بين رأسي الأسرة الأب و الأم اللذين يشكلان ويمثلان من موقعهما الأسروي والمعنوي قدوة الأسرة وأنموذجها وعنوانها الرئيس الذي يتبعه بقية أفراد الأسرة بشكل عفوي ولا إرادي، وهو الأمر الذي يوجب ويفرض على الأبوين عدداً من الأمور والواجبات والمسؤوليات التي من شأنها حماية وتحصين الأسرة من كل الأمراض والأزمات، والتي تبدأ من الحفاظ على علاقة عاطفية قوية وسليمة بينهما من جهة وبين جميع أفراد الأسرة من جهة أخرى مهما كانت ظروف الطرفين صعبة ومستحيلة لان في ذلك حماية للأسرة ونجاةً لها من كل الأمراض والفيروسات الاجتماعية التي تتربص بالأسر المفككة والضعيفة والمنهارة التي غابت عنها العلاقات العاطفية الحميمة وذلك لسهولة الولوج إلى دواخلها وأعماقها .‏

الابتعاد عن الأنانية ..‏

وعلى هذا الأساس فإنه يتوجب على الوالدين أن يبتعدا عن الأنانية والمشاحنات والمناكفات الزوجية وخاصة أمام الأبناء الصغار الذين سرعان ما يتأثرون بتلك المشاحنات التي تظهر عليهم بشكل سلبي حيث يترجمونها على شكل صراعات وخلافات وأحيانا أمراضاً نفسية تعزلهم عن أسرتهم وعن مجتمعهم انطلاقا من كونهم يخزنون كل ما يشاهدون ويسمعون، وبالتالي فإنه يتوجب على الوالدين أن يسموا فوق كل الجراح والأوجاع والخلافات والمشاكل الجانبية أو الزوجية إن وجدت حفاظا على منظومة الأسرة مترابطة وموحدة، وأن يتشاركا الهموم والآلام عبر حوارات ومناقشات هادئة ورصينة أمام الأولاد، حتى يتشارك الجميع الهموم والأوجاع لأن من شأن ذلك أن يقرب بين أفراد الأسرة وأن يزيل كل حالات الجفاف والجفاء.‏

البيئة المناسبة ..‏

وحتى يستطيع الأبوان مواجهة أي من الأمراض الاجتماعية الطارئة التي تحاول الفتك بالأسرة كالجفاف الأسري فإنه يتوجب على الطرفين تهيئة البيئة المناسبة لذلك من خلال السمو كما أسلفنا فوق الجراح والأحزان والأوجاع والتخلي عن كل السلوكيات الخاطئة التي تؤثر على العلاقات الأسرية بشكل عام، كما يحدث عند بعض الزوجات والأزواج الذين يصرون على الضرب بعرض الحائط كل العلاقات الطيبة والحميمة بين الأسرة من خلال تجاهل وانشغال بعض الأزواج بأمور جانبية والإصرار على إهمالهم كل ما يعزز ويقوي الروابط الأسرية.‏

قد تكون المرأة الحلقة الأضعف في الأسرة، لكنها بالتأكيد تشكل الحلقة الأقوى في تمتين العلاقات والروابط الأسرية سواء كانت زوجةً أو أماً أو أختاً أو بنتاً لما لها من تأثير قوي ومباشر وكبير داخل الأسرة ولما تشكله وتمثله كونها رمزاً للحب والعطف والحنان.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية