تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة... في معرض ميسر كامل وعفاف النبواني..تعبيريــة إنســـانية وألـــــوان حقـــــول الطبيعــــــة..

ثقافة
الجمعة 1-11-2019
أديب مخزوم

«تخوم الذاكرة» عنوان المعرض الثنائي, الذي استضافه المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، للفنان الطبيب ميسر كامل, والفنانة عفاف النبواني, وجاء كثمرة تعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين.

ميسر كامل‏

عندما نقرأ البطاقة الشخصية للفنان الدكتور ميسر كامل نجد أن الفن لديه يشكل فسحة أو استراحة من عناء عمله كطبيب، وهذا لا يعني أنه لا يمتلك قدرة فنية وتقنية، بل على العكس من ذلك، فهو يرسم موضوع المرأة بخطوط عفوية، تحدد ملامح الوجه والأجساد والأطراف، ويبدو واثقاً في تركيب طبقات اللون، التي يعمل من خلالها على كسر أفقية الامتداد التسجيلي أو التقليدي، والوصول إلى التأليف الفني الحديث والمعاصر.‏

ففي لوحاته المعروضة، شاهدنا عفوية في تحريك الخطوط، وتلقائية في استخدام مساحات اللون, حتى أن خلفيات لوحاته بدت قريبة من التشكيل الفني التجريدي، حيث يترك مساحات تظهر طبقة لونية موضوعة فوق أخرى، فالإيقاع التشكيلي البارز في لوحاته عن موضوعه المفضل (المرأة ) يكمن في قدرته على الجمع بين عفوية الخطوط، والتلقائية في إضفاء المساحات اللونية الواسعة، على خلفية اللوحة.‏

وكذلك في خطوات إيجاد توازنات جديدة للجمع ما بين التعبيرية والواقعية الجديدة، والوصول إلى أبعاد تشكيلية تنتمي إلى ما ساد وما هو سائد من مدارس فنية واقعية في التشكيل والرسم الحديث.‏

وتبدو شخوص لوحاته أميل إلى التعبيرية الإنسانية، المرتبطة بتداعيات الأحداث المؤلمة والمشحونة بمشاعر السخط والقلق والألم والمرارة, فهو يعبر بصدق, عن واقع حياتنا المعاصرة, وبصياغة زاخرة برموزها, وذلك من خلال تركيزه لإظهار تعابيرالوجوه الإنسانية الواجمة والخائفة والمضطربة والمتوترة والحزينة والخارجة عن قيود إغراءات جمالية قولبت اللوحة التقليدية، وبالتالي البعيدة كل البعد عن المظاهر الصالونية الاستهلاكية والاستعراضية.‏

وهكذا ينحاز، بشكل غير مباشر، لإبراز تعابير الوجوه المفجوعة ووجعها, وسط هذا الخراب والدمار والقلق الذي يلف واقع الحروب وويلاتها ومأسيها, بحيث تبدو ملامح الوجوه وتعابير العيون في لوحاته، وكأنها مرتبطة بيوميات الفواجع والقلق والموت, دون فقدان الأمل بالقدرة على الولادة الجديدة.‏

وثمة تشكيل هندسي نلمسه في هذه المجموعة من لوحاته، والناتج عن إضفاء بعض الخطوط الشاقولية أوالأفقية، كما تنحاز الرؤية هنا أكثر فأكثر نحو إشراقة الداخل أو نحو النسيج البصري المسطح للمساحة، رغم أن اللوحة تحقق في مظهرها العام الكثير من الإيهامات التعبيرية بوجود البعد الثالث.‏

إلا ان هذا الشعور، بإضفاء بعض الخطوط والمساحات اللونية الهندسية في خلفيات بعض لوحاته، سرعان ما يتغير عندما ننتقل إلى لوحاته التي تتلاشى فيها الخطوط والبنى الهندسية. وهو يصل إلى لمسات أكثر حداثة, واقتراباً من تقنيات فنون العصر,ويحقق أبعاد جمالية وتعبيرية تنقل الحس المباشر الداخلي, ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي أو التماهي مع المشهدية الصالونية.‏

هكذا بدت الخطوط والمادة اللونية مشغولة بحس تقني حديث، من خلال العمل على ابراز مساحة المشهد وأبعاده الخارجية والداخلية معاً. فهو حين يكون في حالة قلقة ومتوترة, لا بد أن تأتي الحركات اللونية مرتبطة ببؤرة الانفعال الداخلي, وهذا لا شك يعمل على إغناء القدرة التعبيرية ويضفي إيقاعية بصرية أكثر حركة وحيوية وحداثة وأرتباطاً بثقافة فنون العصر.‏

عفاف النبواني‏

وتستعيد الفنانة عفاف النبواني في لوحاتها، مشاهد من طبيعة وريف السويداء، لتأكيد معطيات ذاكرتها الطفولية، أو تأملاتها, مؤكدة في كل مرة، رغبتها في الانسحاب من الضجة والصخب، والعودة إلى الصفاء والنقاء والارتماء في أحضان طبيعة السويداء حصراً. وتتنقل في بعض لوحاتها من أقصى حدود الدقة الواقعية (لوحة قطة في النافذة ولوحة المدفأة والطبيعة الصامتة وغيرها..) إلى حالات الاختصار والتبسيط والعفوية اللونية المتتابعة في فسحات الحقول والمرتفعات والمنخفضات وحركة الغيوم. وهكذا تتجاوز في لوحاتها الأحدث المؤشرات الواقعية نحو العمق الآخر للمنظر، الذي يبرز باللون والضوء العلاقة القائمة بينها وبين بيئتها عبر التأكيد على مظاهر علاقة النور بضوء الشمس أو بضوء المكان. وإذا كانت تستعيد المشاهد الحية الباقية والمترسخة في الوجدان، فإنها في ذات الوقت تضيف إليها البريق اللوني الملتقط من تأملاتها لتلك الأمكنة أثناء زياراتها إليها، للوصول إلى التشكيل العفوي في الأداء التشكيلي والتلويني.‏

وعلى هدا تقدم لوحات المنظر الطبيعي، بتقنية التلوين التلقائي، وتتجه في أحيان أخرى، لإيجاد تأثيرات بصرية غنائية، وحركات إيقاعية شاعرية. وبمعنى آخر تضعنا أمام مشهد طبيعي منجز بصياغة اقرب الى التعبيرية والواقعية الجديدة, ففي المنظر الطبيعي والمعماري والطبيعة الصامتة والطيور والعناصر الأخرى، تتجه لخلق حركة إيقاع شاعري, مع التركيز على عفوية اللمسة اللونية والضوئية في اللوحة. بحيث تتحول مساحات الطبيعة, إلى حقول لونية تتخللها لعبة النور والظل وتداخل اللمسات اللونية المتتابعة بعفوية وتلقائية.‏

وهي تبحث داخل لوحاتها عن مفردات وجدانية, وتوزع لمساتها اللونية العفوية,على كامل مساحات اللوحة أو تضاعفها في مساحات محددة, وبما يؤكد حضور الضوء الشرقي والانفعال الداخلي، ويضمن إبراز الحداثة في التشكيل والتلوين معاً.‏

وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار أدق درجات الدقة في لوحاتها السابقة,إلى تقنية استخدام الطرق الحديثة في التشكيل والتلوين, وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل العفوي, بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون الاكثر انفعالية وتلقائية.‏

facebook.com adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية