تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حوار الحضارات.. بعض مرتكزات التأسيس

آراء
الخميس 27-8-2009م
يوسف المصطفى

من الاشتغالات الفكرية اليوم، وعلى المستوى العالمي بمنتدياته الثقافية، والاجتماعية، وكتابه الكبار المنتمين للمشروع الانساني مسألة حوار الحضارات.

والعنوان يطرح بتفريعات عريضة تحمل تسمياتها: حوار الشرق والغرب، حوار الاسلام والغرب، حوار الشمال والجنوب- الحوار الاسلامي المسيحي الخ.‏

وكلها عناوين تحمل مشروعية طرحها. لكن في تقديري ان العبرة هي في المحصلة، والنتائج، فالحوار الاسلامي المسيحي مثلا له علماؤه، ومفكروه، ومنظروه، وكثير هم في دائرة الانفتاح، وكسر الحواجز، ودفع التقارب بين الاديان الى الامام، والمشتغلون على المحور الثقافي، ومستويات التواصل، والتأثير، والتأثر يجدون الكثير من المساحات الثقافية التي يمكن ان يشتغل عليها، والتي تشكل اقواس الجامع المشترك لدائرة هذه الثقافات .‏

والمشتغلون على حوار الشمال، والجنوب يجدون العديد من المساحات التي تجمع المحيطين الشمالي والجنوبي في الاقتصاد، والتشاركية، وما يستدعيه ذلك من اشاعة الامن، والاستقرار والتعاون.‏

المشكلة ليست في المرتكزات الفكرية ومفرداتها في هذا الحوار، لكن المشكلة تصطدم بأصل المشروع الغربي.. الامريكي. الاوروبي، وتفوقه الاقتصادي، وادواته العسكرية التي اجتاحت العالم في القرن التاسع عشر، والقرن العشرين من اقاصي الشرق، كوريا وتوابعها الى اقاصي الغرب جبل طارق وبعدها جزر الفوكلاند في الارجنتين ، والتي لا تزال مستعمرة بريطانية.‏

حتى اليوم.. يطرح السؤال التالي: هل الحوار مع الغرب متحقق باعتبارات انسانية، وتعاونية، وسلمية، ام هو مواسم تمليها تطورات الاحوال في الاقاليم الكونية، ومنها اقليمنا المشرقي، وما تفرضه حركة المصالح الغربية في الاقليم. اذاً هناك مسافة بين المستويات الفكرية وتطلعاتها الانسانية وبين القرارات السياسية الغربية والتي تفرضها: مصالح برغماتية محتواها اقتصادي وتوظيفاتها في صراعات النفوذ العالمية.‏

لكن اقول: انه لاخيار قائماً غير الحوار لأن شعوب المشرق ليست في وضع يمكنها من هزيمة المشروع الغربي كاملا بسبب عدم تكاتف انظمتها، وكون معظمها مخترقاً الا القليل، ولا تشكل جبهة الحد الادنى، في طرح مشروع -البديل، الاقليمي- ومستلزماته التشاركية.‏

والتفرد قائم فيها واحدة تلو الاخرى، وخياراتها الاقتصادية، والامنية مرتبطة بالمشروع الغربي.‏

اذاً لابد من الحوار، وما يسمى سياسة الممكن فيه خصوصا عندما يضعف المشروع الغربي، ويلجأ لخيار الحوار قناعة او تسليماً بواقع ولو لمرحلة ينتظر فيها الجديد، وما يفعل.‏

فمثلا في حوار الغرب والاسلام كحوار ثقافي عالمي نجد ثقافة واحدة مسيطرة هي ثقافة الغرب وتشكل نوعا مركزيا بمفاهيمها، ومصطلحاتها،وتمثلاتها، يقول صاموييل ، هانتغتون وهو احد رموز تجلياتها المعاصرة ومنظريها ( ان شعوب العالم بأسره لابد ان تعتنق القيم والمؤسسات والثقافة الغربية لانها اكثر استنارة، وليبرالية وعقلانية، وحداثة، وتحضرا).‏

يفهم من هذا الكلام ، وهو خط سياسي تبناه المحافظون الجدد في امريكا بنوع من نزعة العدوان والتفوق وكانت سنوات بوش الابن وغزواته، احد تجلياته في العراق، وافغانستان بنوع من الفظاظة لم تتجاوز فيه ارادة العرب والمسلمين.. بل تجاوزت ارادة العالم كله.‏

كل المقاربات الموضوعية التي تناولت علاقة الحضارات قدمت اشارات خلاصتها: ان الحضارات لا تتصارع، او تتحاور. بل الناس هم الذين يفعلون ذلك.. والقاعدة القول المعروف ( حركة التاريخ هي حركة الناس في الزمان والمكان) وعلى ذلك فالمواقف لا تنبع من متكأ حضاري ثقافي. بل من المواقف الاجتماعية، والمصالح السياسية، والاقتصادية.‏

لذلك يرى العديد من دعاة الحوار الحضاري، ومفكريه ان هذا الحوار يجب ان يعتمد مرتكزات تأسيسية يرتكز عليها اطرافه منها: ان الحديث عن الحوار وشروطه، واجراءاته ، واخلاقياته ليست هي الحوار .‏

انما المسارات التفاعلية على مستوى المؤسسات والتبادل، والتأثير السياسي، والاقتصادي، والمستويات الانسانية الاخرى هي تطبيقات الحوار وميادينه. لان ادبيات الحوار هي انماط ثقافية تقاربية انفتاحية لها مبادؤها التطبيقية، وإلا شأنها شأن أي ندوة تنتهي. والاهم ما يسمى آليات المتابعة .‏

بمعنى آخر ان : حوار الحضارات ليست مجردات فكرية وثقافية .. بل مفترض في حال فعله ان يتحول الى حوار متعين بين اعيان السياسة، والفعل الاقتصادي والتشاركي، وتبادل المصالح، ومجالات التنمية.‏

ومن المرتكزات الهامة في حوار الحضارات التركيز على الفعل البنّاء بمعنى الاشتغال على الايجابي في الجغرافية، والجوار، والمال، والاقتصاد والتنمية وغير ذلك.‏

واستبعاد صراعات العقائد، والايديولوجيا انه:( حوار الحياة .. وكيف يجب ان نعيش.. وليس حوار اللاهوت ) كما كان يقول العلامة محمد مهدي شمس الدين.‏

ومن المرتكزات الاساسية في اي حوار هو اقصاء منطق العنف، والمواجهات المسلحة فالحضارات لا تبنى على العنف، واذا قامت لمرحلة فلن تدوم.‏

نأمل ان يكون ما يقدمه الغرب الامريكي، والاوروبي اليوم يحمل تأسيسه الحواري، وجديد القراءة للعالم وحواراته.. بعد قرنين من الحروب، والاستلابات، والعدوان، والتدمير.. ليولد وعي انساني جديد يطعم الجائع والفقير في مجتمعات مزقتها الحروب، والنهب، والاستغلال، وتدمير البيئة وغيرها.‏

 كاتب وباحث‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية