تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دعـــــوة الأطبـــــاء

كتب
الخميس 27-8-2009م
وضع ابن بطلان هذا الكتاب على شكل قصة أو مقامة طويلة، تذكر بمقامات الهمذاني ، بطلها فتى شاب يدعي أنه طبيب ناشئ ،

يفد على طبيب معروف مشهور بالطب والأدب والشمائل الحلوة في مدينة ميافارقين، يشكو إليه معدته ، فيدعوه الشيخ إلى بيته ويقدّم له مختلف الأطعمة ، بعدما يستوثق من أنه قليل الشهوة ، ويحذره الشيخ من أضرار الطعام فلا يصيب من طعامه شيئاً ، ويتركه كما هو . ثم يدعو من أجله عدداً من الأطباء يسمرون ويشربون ويستمعون إلى الغناء ويتحدثون في الأدب ، ويطرحون خلال ذلك موضوعات طبية نافعة تمثّل معارف الطب بشكل مجمل في عصر المؤلف .‏

لقد نقل إلينا الكاتب ما كان عليه مجتمع الحضارة العربية الإسلامية في منتصف القرن الخامس الهجري ، وعرض فكره الطبي ومعارفه ليؤكد على سمو مهنة الطب، من خلال نقده لفئة الأطباء الذين يتمنون مرض الآخرين ليعيشوا ، معرضاً بالأطباء الدجالين المدعين ، مشيراً أن هذه المهنة بعيدة عن الخرافة والشعوذة ... وقد جمع الكتاب العلم إلى الأدب والشعر إلى النثر والمتعة إلى الجد في أسلوب سهل ، يدل على ثقافة واسعة لأطباء هذه الحضارة الراقية .‏

سيرة ابن بطلان :‏

عاش الحكيم أبو الحسن الطبيب البغدادي المعروف بابن بطلان في النصف الرابع من القرن الهجري في بغداد ، زمن الدولة البويهية ( 324 – 447 هـ/936 – 1055 م ) ، تلقى علومه الطبية والحكمية على أيدي أساتذة قديرين ، تبدو آثارهم واضحة في أعماله ، كما عاصر كثيراً من العلماء المشهورين منهم : البيروني وابن الهيثم وابن سينا وعلي الكحّال وغيرهم ، كما عمل ابن بطلان أثناء إقامته في بغداد في البيمارستان العضدي ، فنهل من تجارب سابقيه ، آل بختيشوج وماسويه والطبري والرازي وعلي المجوسي وابن الجزار والزهراوي .‏

ترجم لابن بطلان كثير من المؤرخين ، القدماء والمعاصرين وقد أجمعوا على أنه ترك بغداد في النصف الأول من القرن الخامس الهجري ، وقد دوّن ذلك في رسالة وصف فيها ما شاهده من البلدان ، ومرّ بالرحبة ثم حلب ، حيث أقام فيها مدة ، وخرج منها إلى أنطاكية، ثم إلى اللاذقية ، ووصل إلى الفسطاط ، وسافر منها إلى القسطنطينية ، حيث أقام فيها سنة ، وفي هذه الرسالة يصف الطرق والأنهار والحقول والأشجار والمدن التي مرّ بها ، كأنه رحالة أو جغرافي ، كما تعرّض لذكر الأدباء ووصف الحالة التي آلت إليها البلاد والعباد. وذكرت الدكتورة بنت الشاطئ « أن المعري اعتل في أوائل شهر ربيع الأول ، سنة 449 هـ ، وعاده الطبيب المشهور ابن بطلان: أبو الحسن المختار ، وكان ممن يتردّد عليه للزيارة والسماع «. كان ابن بطلان ينتقد بعض أساليب المعالجة التي اتخذها الأطباء العرب عن الإغريق وفي ذلك كان ينتقد الطبيب المصري علي بن رضوان ، الذي كان محبّاً للإغريق ومتحزباً لهم ولكتب الأوائل، وقد جرى بينهما حوار حاد وعميق حول كثير من المسائل الطبية ، تبادلا عدة رسائل قامت على أسبابها حركة فكرية نافعة، حركت الأقطار بين بغداد ومصر. « فلم يكن يؤلف أحد منهما كتاباً ولا يبتدع رأياً إلا ويرد الآخر عليه » .‏

ركز ابن بطلان في كتبه ورسائله على الجانب العملي من الطب وإمكانية استفادة العامة والخاصة والمسافرين والرهبان في الأديرة ، وذلك باتباع أساليب الوقاية والحمية والغذاء وأسلوب الدواء المتبع ، إضافة إلى مناقشته لبعض المسائل التي كانت تثار في عصره، يتجلّى ذلك في مؤلفه الهام ( تقويم الصحة ) وهو يشتمل على ( 48 ) جدولاً ، تتضمن موضوعات الأسباب العامة والمشتركة التي لا بد لكل إنسان يؤثر دوام صحبته من تعديلها . وترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر ، كما ترجم إلى الألمانية ، وورد ذكره في دائرة المعارف الإسلامية ، كذلك تجلى نقده الاجتماعي لكثير من مظاهر عصره في كتاب ( دعوة الأطباء ) ، أما كتابه ( شراء العبيد وتقليب الجواري ) فإنه يعد أحد المراجع الهامة في دراسة أوضاع ذلك العصر ، ومما يؤسف له أن كتب ومقالات ابن بطلان ما زالت رهينة أدراج دور الكتب والمكتبات ، شأنها شأن الكثير من المخطوطات العربية المهمة ، ولابن بطلان أكثر من ثلاثة عشرة مخطوطة منها :‏

مخطوط‏

(دعوة الأطباء):‏

اعتمد المحقق في وصف المخطوطات المعتمدة في التحقيق على : مخطوط المكتبة المارونية ، ومخطوط مكتبة الأمير وزيانا، ومخطوط بشارة زلزل المطبوع في المطبعة الخديوية في الإسكندرية . ويتألف المخطوط من مقدمة صغيرة وأحد عشر فصلاً وخاتمة.‏

والفصول هي : في مدح بغداد وذمّ ميافارقين لما فيها من الكساد ... وفي ذكر مجلس الطعام وإيراد الحجج التي تحمي عن الأكل فيما تقدّم من الألوان ... وفي نعت مجلس الشراب واللذة، وذكر ما جرى بين الأطباء من المسائل والمحاورة ، وفي اعتبار الطبائعي بمسائل توضح فضله وتظهر جهله ، وفي سؤال الكحال عما لا يسعه جهله في العلاج ، وفي اعتبار الجرائحي بمعرفة التشريح والمنافع ، وفي امتحان القاصد بما يحتاج إلى معرفته من المنافع ، وفي اعتبار الصيادلة بمعرفة العقاقير والأدوية ، وفي غيبة الأطباء وتغايرهم على المرضى . وفي اعتذار الطبيب المصروف وذم الصارف له، وفي استهانة العامة بالصناعة الطبية والرد عليهم ، والخاتمة في ذكر سبب انقطاع الزيارة والاجتناب .‏

 فيصل خرتش‏

المخطوط : دعوة الأطباء ( صفحات من الأدب الطبي العربي) - المؤلف: المختار بن الحسن ابن بطلان - المحقق: عزّت عمر - الناشر : دار الفكر – دمشق – سورية - 205 صفحات – قطع كبير‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية