كان ذلك في ليل الأول من آذار عام 2003 قبل الساعة الثانية فجراً، الهدف هو خالد الشيخ محمد، طبعاً عملية المداهمة تم الترتيب لها قبل أشهر مع شبكة من المخبرين الذي أعطوا معلومات عن وصول خالد الشيخ محمد الرجل المتهم بتدبير عملية 11 أيلول إلى مطار إسلام أباد وأنه سيقوم بزيارة مسؤول القاعدة. المهم كان معرفة موعد اللقاء بالتحديد لأن الشيخ محمد يستخدم مخبأين مختلفين في ذلك الحي، وكان الهدف المطلوب من واشنطن هو أسر الرجل حياً وهذا ما حصل. نجحت العملية وحضر مدير المخابرات المركزية جورج تينت إلى إسلام أباد ليسلم أوسمة التقدير من (CIA) إلى العملاء الباكستانيين على نجاح المهمة.
القاعدة عينت على الفور بدلاً من الشيخ محمد قائداً جديداً لعملياتها في الخارج يدعى أبو فرج الليبي، لكن بعد عامين من الجهود المتواصلة أيضاً استطاعت المخابرات الباكستانية بدعم من (CIA) القبض عليه عن طريق أحد رفاقه بالقرب من مقبرة وهو على دراجة نارية.
هاتان القصتان المتعلقتان بالمدبرين الخطرين في تنظيم القاعدة ترى فيهما الإدارة الأميركية مثالاً ناجحاً لمكافحة الإرهاب، فهناك عمل دؤوب لجهاز الأمن ومداهمات لتوقيف أي مجرم كما تم استخدام سلاح الخصم ذاته ألا وهو السرية.
إذا كان البيت الأبيض قد قرر غداة 11 أيلول القيام بمثل هذه العمليات فإن باراك أوباما اليوم لا يعلم كم يحتاج من الوقت ليخرج الولايات المتحدة من حروبها في أفغانستان والعراق، أما القاعدة فقد نجحت في تعميم فكرة الجهاد وأن تقنع الكثير من الشباب المسلم في العالم بفكرة الموت من أجل قضيتها.
وبعد سنوات من 11 أيلول ومواصلة محاربة الإرهاب المطلوب من باراك أوباما اليوم وضع حد نهائي لهذا المفهوم، وهذا لا يتناقض مع الوعد القوي لباراك أوباما بملاحقة اسامة بن لادن. حول هذا الموضوع يقول جون مارنر رئيس قسم مكافحة الإرهاب في منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان: يجب التخلص جذرياً من فكرة الحرب ضد الإرهاب التي ابتدعتها إدارة جورج بوش والتي ثبت أنها غير مجدية، بل أثارت المشاعر بأنها حرب على المسلمين والإسلام. أما إيازخان وهو لواء سابق ومدير معهد الدراسات الإقليمية في إسلام أباد فيرى أنه يجب أن يتم تبديل مفهوم «الحرب على الإرهاب» بمفهوم آخر «استراتيجية مكافحة الإرهاب» لأن كلمة حرب بحد ذاتها هي كلمة مرعبة.
المحلل السياسي سيث جونز في إحدى وكالات واشنطن والمستشار لدى فريق أوباما حول الإرهاب والوضع في جنوب آسيا، يذهب بعيداً ويشير إلى أن مفهوم الحرب يفرض وجود ساحة للمعركة وبالتالي لا يمكن أن يهزم الفريق الإرهابي، بل على العكس غالباً ما يخرج منتصراً. كما أعد جونز مع زميله مارتان ليبيكي دراسة مهمة حول نهاية المجموعات الإرهابية بعد دراسة (648) مجموعة نشطت بين عامي 1968 - 2006 واستخدمت هذا السلاح حيث استطاع 10? منها تحقيق انتصارات و 43? عقدت اتفاقات مع الدولة التي حاربتها و 40? هزمتها أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية في البلدان المعنية، و7? منها هزمت لأنها تحولت إلى حركات عسكرية وجماعات مسلحة. ويرى جونز أن مكافحة القاعدة هو من مهام إف بي آي على أراضي الولايات المتحدة ومن مهام (CIA )خارج أراضي الولايات المتحدة. وأحياناً يتطلب ذلك عملاً من القوات الخاصة . خلال سبع سنوات مضت على 11 أيلول تطورت القاعدة تطوراً ملحوظاً أولها وجود مجموعات لا تأخذ أوامر العمليات بشكل مباشر من القياديين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. أما الظاهرة الثانية فهي تداخل القاعدة مع عدة حركات ثورية مسلحة كما هي الحال مع طالبان في أفغانستان والباكستان وكذلك في العراق. الظاهرة الثالثة هي تبدل الجيل في الوقت الذي مات فيه المؤسسون واختبأ منهم في الجبال نشأ جيل جديد دخل إلى الجهاد بشكل عفوي.
ريتشارد بيرت رئيس لجنة العقوبات ضد القاعدة في الأمم المتحدة في نيويورك يقول: إن الجيل الثاني نشأ معظمه من أولاد المجاهدين ويأخذ جان بيير فيليو أستاذ العلوم السياسية في باريس مثالاً على ذلك المجموعة السابقة للدعوة والجهاد في الجزائر والتي استفادت من هذا التطور ما حمل بن لادن والظواهري على تبنيها، ويرى فيليو أنه ما إن تنتهي حرب العراق حتى يقتضي الأمر التعامل مع ما يسمى جيل العراق.
الصورة اليوم تشبه حالة الجهاد التي كانت في الثمانينات ضد الجيش السوفييتي حيث كان يأتي المتطوعون إلى مناطق القبائل في الباكستان.
مارك ساغمان المستشار في الإدارة الأميركية ومن القدامى في (CIA) عن شؤون أفغانستان وباكستان. يؤكد أنه منذ عام 2001 لا يوجد أي دليل على خروج عناصر من المناطق القبلية في أفغانستان لإعداد كمين في الخارج وأن المحاولات التي لا تتجاوز 12 عملية جرت باسم القاعدة في الغرب هي من تنفيذ أفراد معزولين كانوا يسافرون أحياناً إلى الباكستان في محاولات للقاء أشخاص من القاعدة.
بالنسبة لباراك أوباما: القضية الأساسية هي معرفة مكان وجود بن لادن وعملية توقيفه أو قتله وستكون مؤشراً قوياً حسب تفكير أوباما لأن الولايات المتحدة لن تخطىء هدفها من الآن فصاعداً. محمد أمير رانة مدير معهد أبحاث السلام في إسلام أباد يرى أنه إن لم يكن بن لادن لاقى حتفه فهو ذكي جداً ولا بد للعثور عليه أن يكون التعاون متيناً مع الباكستان. أما جان بيير فيليو فيرى أنه إذا تم إيقاف حقاني فلن يكون بن لادن بعيداً عنه. جلال الدين حقاني هو القائد العام الأقوى لطالبان حالياً ويمتثل بكل احترام لقائد الطالبان الملا عمر ويفرض نفسه كمنسق بين الأفغان والباكستانيين التابعين لبيت الله مسعود مع القاعدة وإضافة إلى ذلك «القضية هي قضية حياة أو موت بين حقاني وبن لادن» منذ الحرب ضد السوفييت، وهؤلاء كلهم مرتبطون ببعضهم إلا أن الحامي الحقيقي للقاعدة هو حقاني فهو يدعمها بشكل مباشر أو عبر بيت الله مسعود. الخبراء والمختصون في فريق أوباما بهذا الشأن يرون أن التعاون المشترك بين أجهزة الأمن وقوى الشرطة لمحاربة القاعدة غير كاف وأن مصير المنظمة الجهادية مرتبط بشكل قوي بمصير الحركات الثورية لطالبان، وحتى لو كانت عملية توقيف خالد الشيخ محمد هي عملية نموذجية لكن لا يستبعد أبداً استخدام القوة العسكرية لمحاربتها بشكل كامل.