ولما كان تلقي الرواية يختلف عن تلقي فيلم السينما فإن المتعة المتأتية عن استقبال كل منهما تختلف حتماً عن الأخرى.
أجمل ما في الرواية إنعاشها لمخيلة القارىء، بينما في السينما فنحن أمام صورة محددة، أطرت الخيال واكتفت بتقديم اقتراح قراءة واحدة وحيدة لعالم الرواية المفترض الذي اقتبست عنه حكاية الفيلم المعني.
روايات بالجملة حولت إلى أفلام على سبيل المثال فيلم (بيت الأرواح) عن رواية ايزابيل الليندي التي قالت عندما سئلت عن وجهة نظرها بالفيلم: (أحبه ولكن الفيلم لا علاقة له بأميركا اللاتينية، كان فيلماً اسكندنافياً ومع هذا فأنا أحبه، لقد كان مدهشاً وامتعني عندما شاهدت الفيلم تعرفت للمرة الأولى على حقيقة روايتي لم أكن على اطلاع بدقائقها وأعتقد أني في أغلب رواياتي لم أكن أعرف ما أفعل).
على الرغم من أن الليندي لم تلحظ عالم أميركا اللاتينية الذي رسمته في روايتها خلال الفيلم إلا أنها لم تلغ أثر الفيلم في تقديمه لفهم مغاير لأثرها الأدبي. رأيها كان موضوعياً لا ينفي فضل السينما وقدرتها على طرح الجديد، الذي يمتلك جرأة الاتيان بما هو مختلف ومغاير..
ومن هنا، من هذه الزاوية لربما أضاف هو للعمل الروائي، قد يحدث هذا ولكن بالعموم يبقى نادراً يؤكده عملية استذكار سريعة لبعض من أفلام السينما المأخوذة عن روايات عالمية كيف قدمت تلك الأفلام؟ هل بقيت أمينة للأصل بمعنى هل اهتمت بغاية وهدف العمل الروائي أم أنها أرادت فقط استثمار ذاك النجاح لغايات ربحية، ربحية تجعل صناع السينما يقتنصون قصص الحب التي يحبكها الروائي في نسج عمله يضخمونها لتكون أساساً لأفلامهم مدركين افتتان عالم الغرب المادي بقصص العشق الرومانسية؟
لعل الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز كان مدركاً لهذه اللعبة التجارية ولهذا رفض مراراً نقل أعماله إلى السينما، كان يقول ( أنا أفضّل أن يتخيل قارىء كتابي الشخصيات كما يحلو له، أن يرسم ملامحها مثلما يريد، أما عندما أشاهد الرواية على الشاشة فإن الشخصيات ستصبح ذات أشكال محددة هي أشكال الممثلين وهي ليست الشخصيات التي يمكن أن يتخيلها المرء أثناء القراءة).
يمكن أن نضيف تأكيداً لرأي ماركيز بعد أن حولت رواية (حب في زمن الكوليرا) إلى فيلم بذات العنوان إن روح الشخصيات بل روح الفيلم الذي تتحرك فيه الشخصيات لا يشتمل إلا على أقل القليل من روح رواية ماركيز، ذلك أن الفيلم محشو بمشاهد ايروتيكية غزيرة هي أساس جاء الفيلم معتمداً عليه.
صحيح أن الرواية في إظهارها أجواء تلك الفترة التاريخية ومكان الأحداث بأسلوب الواقعية السحرية تعمد تقديم الايروتيك ولكن هذا ليس سوى جانب واحد فيها، عبره تسعى إلى تصوير ظروف تلك البلاد، فمن ينسى على سبيل المثال ما يسرده الروائي مصوراً فظائع الكوليرا، يقول (في الأسبوعين الأولين للكوليرا فاضت المقبرة ولم يكن هناك من مكان للدفن كان لابد من تحويل بستان الدير «سانتا كلارا» إلى مقبرة وحضروا هناك قبوراً عميقة ليدفنوا فيها على ثلاثة مستويات على عجل وبلا توابيت ولكنهم اضطروا للتخلي عنها لأن الأرض الطافحة أصبحت مثل اسفنجة ترشح تحت وطء الأقدام دماً فاسداً كريه الرائحة).
فهل التقطت عدسات الكاميرا شيئاً من هذا القبيل؟ هل نجحت في اصطياد بؤس اللحظة المعاشة..أم أنها اكتفت بعرض مبالغاتها في وصف مغامرات بطل الرواية فلورنتينو العشقية؟
إلى جانب فيلم (حب في زمن الكوليرا) هناك أفلام أخرى مثل المريض الانكليزي عن رواية مايكل أونداتجي ومذكرات غيشا عن رواية آرثر غولدن..ما يربطها مجتمعة هو التوظيف الذكي لحكاية الحب الموجود في كل منها.
فمن يقرأ الروايات ويشاهد الأفلام سيشعر حتماً أن هناك ميلاً مقصوداً لدى مخرجي ومنتجي تلك الأعمال يسعى إلى تفريغها من كل مضمون أراده مؤلف العمل الأصل، والاكتفاء بسرد قصص الحب اللا معقولة، حيث تقتصر تلك الأفلام-الثلاثة- على قصص الحب الغارق في رومانسيته والذي يكاد يبدو غير معقول، قصة حب ينبع في قلب فتاة لم تتجاوز التاسعة من عمرها تحتفظ به عشرين عاماً كما في (غيشا)..قصة حب أخرى تروي عملاً بطولياً لإنقاذ المعشوقة كما في (المريض الانكليزي) وحب آخر يدوم لأكثر من خمسين عاماً كما في (حب في زمن الكوليرا).. على أن هذا لا يعني الاستهانة بقيمة الحب إلا أنه يحمل بذات الوقت استهانة من قبل صانعي تلك الأفلام بالقيمة الأدبية والتخييلية للعمل الروائي.
في (المريض الانكليزي) يتم إهمال قصة الفتى اللغّام (كيب) الهندي الذي يعمل في صفوف الانكليز وكيف يرتد عليهم مظهراً هشاشة منطقهم ذي النظرة الدونية لكل من ينتمي إلى قارة ملونة..القارة التي يصفها بـ(لا مرئية)، يقول الروائي على لسان (كيب): حين بدأتم تقصفون سلالات العالم السمراء كنتم انكليزاً.
قد يرى البعض في موقف هذا الفتى اللغام ما يعني الكثير للروائي السيريلانكي أونداتجي وبالتالي فإن شطبه يحرف مسار الفيلم عن مسار العمل المقروء.
في حين يبدو الانسجام أعم ما بين فيلم (غيشا) وروايته..ومن الطبيعي هنا أن يأتي الفيلم مختزلاً لكثير من أحداث وتفاصيل الرواية.
يبقى المثير أن الرواية بحد ذاتها تعرضت للنقد والرفض من قبل (مينيكو ايساكاوي) الغيشا السابقة والشخصية الحقيقية لبطلة الرواية (سايوري)، فغولدن برأيها شوه سيرتها، ورداً عليه قامت بتأليف كتاب (حياة غيشا)، تنفي فيه ورود قصة الحب التي اعتمدها الفيلم، ومحاولة نفض كل ما علق من إساءة لمعنى كلمة (غيشا)، ولهذه المهنة التي أحبتها يوماً.
وعلى ما يبدو أن آرثر غولدن، كما يرى الكثيرون، في روايته التي تسرد ظروف اليابان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، اختار المجتمع الياباني الذي تظهر فيه المرأة كعبدة، متأثراً بالدراسات التي تروج لأن أميركا رمز مطلق للحرية والخلاص، وأنها باحتلالها اليابان حملت إليه الحرية والتقدم.
يقول بورخيس: إن أعظم ما يمتلكه الإنسان هو الخيال..
والرواية بوصفها فناً يفيض تخييلاً، بل عوالم غنية تسبح في بحر المخيلة، تبدو المعين الأقدر والأوفر حظاً في شحذ مخيلة القارئ، حين يعايش الروائي فيما يبتكر من وقائع وأحداث وشخصيات وحكايا لا حدّ لها، فيزداد خياله عندئد ألقاً وجنوناً خصباً.. هو مبتغى كل فن، دون أن يوحي كل ما ذكر بنوع من المقارنة ما بين الرواية والفيلم المأخوذ عنها، فكل منهما له أدوات تعبيره الخاصة التي تختلف وتتباين عن أدوات الفن الآخر..
هناك فضاءات ومساحات شاسعة ومختلفة يشتمل عليها كل من الكلمة والصورة..
وكما لو أن السينما في كل اقتباسها من عالم الرواية تبقى في حدود تقديم قراءة لا أكثر ولا أقل، يؤكد ذلك تقديم بعض الأعمال الروائية بكذا رؤية سينمائية.
هكذا وبسبب حمى الربح ربما نصل إلى زمن تطرح فيه مع كل طبعة جديدة لعمل روائي ما، نسخة (DVD) كتوءم بصري مقترح..
***
لم يشغل لون أدبي النقاد العرب في السنوات الأخيرة كما شغلتهم الرواية بألوانها وفنونها الجديدة التي تحاول أن تجترحها بدءاً من الاغتراب عن الواقع والخوض في أوهام وتخيلات يريدها بعض الروائيين بديلاً عن الواقع، أو مروراً بمحاولة طمس الزمان والمكان، وعلى التوالي اغتيال الشخصيات، وفي المحصلة: تجريب وتخريب من قبل بعض من لم يقرأ في حياته سوى ما يكتبه هو.
ربما هذه الحال هي التي دفعت النقاد المتابعين لأن يسعوا إلى تأصيل الدراسات النقدية، وعقد ندوات تتناول المنجز في تاريخ الرواية العربية لئلا يطفو العابر على السطح ويحتل الواجهة ثم ينكفئ إلى غير رجعة بعد أن نكون قد خسرنا الوقوف على ملامح تجارب الأصيل.
في هذا الإطار ربما تأتي أعمال الندوة الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي الحادي عشر الذي عقد في الكويت، وكانت ندوته الهامة تحت عنوان (الرواية العربية ممكنات السرد).
وقد فعل المجلس الوطني للثقافة في الكويت خيراً إذ عمل على إصدارها في كتاب مستقل جاء ملحقاً مع عددين من سلسلة عالم المعرفة، وقد صدر منذ أيام الجزء الثاني من الكتاب الذي يتضمن ما تبقى من أعمال الندوة، ونقف عند خطوط عريضة من هذه الأبحاث، فهي على غاية الأهمية ولا بد للمعني بالحركة الأدبية أن يقف عند هذه الأبحاث والشهادات الهامة التي قدمها المشاركون في الندوة.
الرواية العربية وتعدد المرجعيات الثقافية...
هذا العنوان الأول في الكتاب، وهو مشاركة د. عبد الله ابراهيم الناقد العراقي المتخصص في الدراسات السردية ونقد المركزيات الثقافية.
يرى د. ابراهيم أن السرد يؤدي بوصفه وسيلة تشكيل المادة الحكائية وظيفة تمثيلية شديدة الأهمية في الرواية، فهو يركب المادة التخيلية، وينظم العلاقة بينها وبين المرجعيات الثقافية والوقائعية بما يجعلها تندرج في علاقة مزدوجة مع مرجعياتها، فهي متصلة بتلك المرجعيات لأنها استثمرت كثيراً من مكوناتها وخصوصاً الأحداث والشخصيات والخلفيات الزمنية والفضاءات، لكنها في الوقت نفسه منفصلة عنها لأن المادة الحكائية ذات طبيعة خطابية فرضتها أنظمة التخيل السردي، فالسرد في وظيفته التمثيلية يركب ويعيد تركيب ويخلق ويعيد تخليق سلسلة متداخلة من عناصر البناء الفني ليجعل منها المادة الحكائية التي تتجلى في تضاعيف السرد، فالتعدد الداخلي لمكونات الحكاية وانفتاحها على فضاءات ثقافية وسلالية ينقلان الرواية من كونها مدونة نصية شبه مغلقة إلى خطاب تعددي في العناصر السردية المكونة للحكاية، وتعدد في أساليب السرد وتعدد في الصيغ، وتعدد في مواقف الشخصيات ورؤاها ومواقفها، ولعل إحدى الظواهر السردية البارزة في مسار الرواية العربية هي استثمارها تعدد المرجعيات الثقافية الخاصة بالأعراف والسلالات والثقافات والقيم التقليدية والمرأة والهوية والآخر، ومن هذه الناحية انخرطت الرؤية في الجدل الخاص بالهويات الثقافية والحضارية... وبكشف البنية الأبوية للمجتمعات الممثلة سردياً، الأمر الذي أفضى إلى ظهور عوالم متعددة بقيمها وتصوراتها ومواقفها، وبذلك مثلت ثنائيات الأنا والآخر، والطبيعة والثقافة والمجتمع التقليدي والمجتمع الحديث، وكل ذلك أسهم في إثراء البنية الدلالية وتعدد مستوياتها.
وبعد أن يقدم قراءات تطبيقية في هذا المنحى تتناول روايات (موسم الهجرة إلى الشمال) وروايات ابراهيم الكوني وآخرين يخلص إلى القول: أظهر السرد في الرواية العربية قدرة كبيرة على تمثيل المرجعيات الثقافية المتعددة وإعادة تشكيلها فتدرج ذلك من الترميز والإيحاء كما ظهر في رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) إلى التوثيق، كما تجلى في رواية (جنون الحكم) وبين هاتين الدرجتين المتباينتين تعددت درجات التمثيل السردي في إعادة إنتاج موضوعات التنازع بين نسقي الطبيعة والثقافة وكذكورة وأنوثة والغرب والصحراء والمدينة والطبائع الثابتة والمواقف المتحولة، وهذا أمر يكشف أن التمثيل السردي لم يقتصر على ضرب محدد من ضروب التمثيل، إنما تعدى ذلك إلى تنوعات خصبة جعلت الرواية العربية تنخرط في تأويل المرجعيات، وتقدم لها تمثيلات متعددة أضفت عليها قيمة فنية جديدة جعلتها في مقدمة الأنواع الأدبية الجديدة التي استأثرت باهتمام كبير بناء على الوظائف المتنوعة التي قامت بها.
علاقة ملتبسة..
د. معجب الزهراني يقدم بحثاً بعنوان: (القراءة الحوارية لعلاقات السيرة الذاتية بالرواية) وفيه يرى أن العلاقة بين السيرة الذاتية والرواية هي علاقة ملتبسة وخلاقة بين جنسين سرديين كثيراً ما تقتضي التفاعلات بينهما إلى نصوص إبداعية متميزة، تثير اهتمام القراء والنقاد داخل سياقات التداول المحلي والعالمي، وجه الالتباس فيها يلمحه ويبرزه الخطاب النقدي العارف، إذ يحرص على التمييز بين الأشكال والخطابات والأساليب، هذا التوجه الحميد من حيث المبدأ لا يعود مبرراً أو مجدياً حين يظهر الناقد أن بين الأجناس الأدبية أو بين أشكالها الفرعية حدوداً فاصلة ثابتة، ما إن تنتهكها الكتابة الإبداعية الخلاقة وكثيراً ما يحدث هذا لحسن الحظ، حتى ترتبك التصورات وتذهب الآراء والأحكام كل مذهب من دون أن توصل إلى هدف أو تؤصل لقضية.
وفي أعمال الندوة المنشورة في القسم الثاني من الكتاب عناوين أخرى تستحق الوقوف عندها وقراءتها قراءة متأنية، إذ تضيء وتكشف جوانب مهمة في مسيرة الإبداع الروائي العربي، يضاف إلى ذلك شهادات روائيين عرب حول أعمالهم الإبداعية ما يجعل الندوة وأعمالها المنشورة مرجعاً أساسياً لكل من يتابع الرواية العربية في مسيرتها الحقيقية لا الزائفة.
قد يرى البعض في موقف هذا الفتى اللغام ما يعني الكثير للروائي السيريلانكي أونداتجي وبالتالي فإن شطبه يحرف مسار الفيلم عن مسار العمل المقروء.
في حين يبدو الانسجام أعم ما بين فيلم (غيشا) وروايته..ومن الطبيعي هنا أن يأتي الفيلم مختزلاً لكثير من أحداث وتفاصيل الرواية.
يبقى المثير أن الرواية بحد ذاتها تعرضت للنقد والرفض من قبل (مينيكو ايساكاوي) الغيشا السابقة والشخصية الحقيقية لبطلة الرواية (سايوري)، فغولدن برأيها شوه سيرتها، ورداً عليه قامت بتأليف كتاب (حياة غيشا)، تنفي فيه ورود قصة الحب التي اعتمدها الفيلم، ومحاولة نفض كل ما علق من إساءة لمعنى كلمة (غيشا)، ولهذه المهنة التي أحبتها يوماً.
وعلى ما يبدو أن آرثر غولدن، كما يرى الكثيرون، في روايته التي تسرد ظروف اليابان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، اختار المجتمع الياباني الذي تظهر فيه المرأة كعبدة، متأثراً بالدراسات التي تروج لأن أميركا رمز مطلق للحرية والخلاص، وأنها باحتلالها اليابان حملت إليه الحرية والتقدم.
يقول بورخيس: إن أعظم ما يمتلكه الإنسان هو الخيال..
والرواية بوصفها فناً يفيض تخييلاً، بل عوالم غنية تسبح في بحر المخيلة، تبدو المعين الأقدر والأوفر حظاً في شحذ مخيلة القارئ، حين يعايش الروائي فيما يبتكر من وقائع وأحداث وشخصيات وحكايا لا حدّ لها، فيزداد خياله عندئد ألقاً وجنوناً خصباً.. هو مبتغى كل فن، دون أن يوحي كل ما ذكر بنوع من المقارنة ما بين الرواية والفيلم المأخوذ عنها، فكل منهما له أدوات تعبيره الخاصة التي تختلف وتتباين عن أدوات الفن الآخر..
هناك فضاءات ومساحات شاسعة ومختلفة يشتمل عليها كل من الكلمة والصورة..
وكما لو أن السينما في كل اقتباسها من عالم الرواية تبقى في حدود تقديم قراءة لا أكثر ولا أقل، يؤكد ذلك تقديم بعض الأعمال الروائية بكذا رؤية سينمائية.
هكذا وبسبب حمى الربح ربما نصل إلى زمن تطرح فيه مع كل طبعة جديدة لعمل روائي ما، نسخة (DVD) كتوءم بصري مقترح..
***
رأي .. أزمة مرجعية ثقافية..
يقول المفكر والفيلسوف العربي الكبير الراحل زكي نجيب محمود:
شاهد الناس من حولك تدرك من سلوكهم أي ثقافة يعيشون إننا نعيش ثقافتنا في كل ما نراه من تفصيلات . بهذا الاستهلاك يبدأ د. علي القيم آخر الكلام في مجلة المعرفة متحدثاًعن إشكالية الخطاب الثقافي ويخلص الى القول : المتابع للخطاب الفكري العربي على مختلف تياراته يلاحظ أن الأزمة هي أزمة مرجعية في المقام الاول ، فليس هناك خيط واحد ينظم هذه التيارات إلا خيط الأزمة والاشكالية أو الاتفاق على أن هناك أزمة ثقافية غير متفق على أسبابها وسواء تحدثنا عن النخب الثقافية والفكرية التقليدية أو تلك الحديثة فالأمر واحد تقريباً .. للخروج من هذا المأزق ، مأزق النخب الثقافية وآليات إنتاجها، لابد من معرفة المثقف لموقعه في المجتمع ، بل معرفة المشتغل بالهم العام، والثقافة جزء منه دون فرضيات وأوهام فالمشتغل بالهم الثقافي هو جزء من المجتمع وليس وصياً عليه،له دور اجتماعي نابع من كينونته ودوره الحقيقي كما هو مقررفي الواقع، وليس بناء على افتراضات ذاتية وأعتقد أن ذلك يشكل الخطوة الاولى تجاه نفي تلك الآليات الفكرية المنتجة لفكر نخبوي مكثف بذاته ولا علاقة له بما يجري حولنا، وهذا لن يتم إلا عندما يقوم المثقف بتحرير نفسه قبل تحرير الآخرين.