مستحيلة حتى على الرؤية في الرؤيا، هكذا رؤى الحدس أخبرتني.. جسدها مثير إلا أنه محرم... كالسفاح هو الحلم في دخول المعصية بها... فتنتها طاغية ولا إدراك لها... أو سبيل.. ولا أسلوب يفضي بها إلى المطاوعة، كأنها من صخر قُدت.
نقطة انجذابي إليها وولهي بها هما وميض عينيها في نداء ناطق بلا كلام: تعال اقترب مني... أنا أيضاً أنتظرك مثلما تنتظرني.. وشهوتي تشتهيك..!
وفجأة هجم علي -وخطواتي تغذ المسير إلى مرآها- وقاري واتزاني ورصانتي وحصانتي... انزعجت وتلجلجت من وطأة هذه المفردات المقيتة تستولي على سلوكي وتصرفاتي وتقمع نزواتي ورغباتي... وكدت -لولا إصراري على الكشف والاكتشاف-- أرجع أدراجي من حيث أتيت... من حيث مشيت...!
الهشيم يفح في صدري.. العناكب تعشش في روحي.. الهزيمة على باب الندى تشرع مصراعيها كمطر جارح لابتلاع السيل في خضمي.. الانكفاءات تهوي بي إلى غيهب من تصدع الجليد... أو ثوران البراكين.. ،الرغيف المنتظر رمل وزجاج.
لائب ومقشر وخائف... والأزمنة من زئبق والرياح من قصدير يتناثر في مهب الاختناق ولا يتوانى عن الذوبان والانحلال في موكب الفقاقيع... إنه عصر معولم انعدمت فيه الأحلام الجميلة حتى ولو صغيرة كانت.
وبلا قدمين أدب على الهواء، والمدينة بدأت تتمطى وتستيقظ على شعاع من نشادر فاحم...
وها هي نوافذها تفتح نهارها لهبات باردة تنفذ إلى رحم هيولاي.
ذكريات من بنفسج الحنين إلى الوصول تهدل في رواق أمتعتي البالية... وتدعوني لمأدبة من ندوب البكاء على أمل يضيء ومضاً، ثم خطفاً يموت... وحضور لماض وسيم يرتاد أخيلتي في مستقبلي العديم: - الباب مغلق لا تحاول... السرو بلا أغصان، لن تستظل.. دعك في اليأس... إنه دواء يشفيك... ولا دواء سواه... اعتصم به فهو منجاك ومسلاك.
ذاتي تهتف من دون صوت: اندفع إلى من تنتظرك كمخّلص...
ولكن كيف؟ شمس غاربة تحذرني من رذاذ بلا شتاء...
وصلتُ...
جلسنا على مقعد خشبي طويل طول المسافة الفاصلة، بين كينونتي البائدة حيث هربت... بين كينونتها الغائبة حيث توارت.
لم نحتس قهوة أحضرتها.. لم نقضم كعكاً أحضرته.
إلى القهقرى رجعت أمشي على يدي..
من بعيد شاهدتها تلوح لي: غداً سآتي.. لا تقنط من قدومي يا حبيبي.
وما زلت أذهب في الساعة السادسة من مساء كل صباح إلى الحديقة... وأنتظر مجيء القصيدة العصية..!
وسأبقى أفعل هذا إلى أن يسعفني الموت بالخلاص.