|
همسات على نافذة الغالية آراء لعلها بداية مشرقة لقصيدة حلوة تفنن الجمال الراقي في صياغة كل بيت فيها لتكوني ساكنة هذا البيت، ولتصبح القصيدة بك متحف الخيال الشرود. تأخر الصبح فأسرعت الشمس الى مفكرتها، تبحث عن أرقام أصدقائه، وحاولت عبثاً العثور على مكان يستسلم فيه لأمواج اللقاء الأخير الذي جمعه بك، ولكنها نسيت جذاذة صغيرة كانت في الصفحة الأخيرة من المفكرة، هي وردة حالمة سافر أريجها إليك، وبعد لأي تذكرت وعرفت كيف تعثر على الصباح، لقد كان مستلقياً على نافذتك الوادعة ينتظر استيقاظك ليطبع على وجنتيك قبلة كتب عليها بخفوق القلب صباح الخير يا صباح الوجود الأجمل. السفينة تمخر عباب البحر، وتحتشد في ذاكرتها طيوف الصعاب المحتشدة في كل منعطف من الطريق، وبدت ثقتها بالقدرة على تجاوز تلك الصعاب أكبر من كل ما يعترض طريقها من تحديات، حاولت إقناع القلب أن يستفيد من تجربة تلك السفينة، وبعد جدال عقيم بدا لو أن القلب كان قد اقتنع، ووضع شرطاً واحداً وجدت نفسي مذعنة لكل ما يمليه من شروط تالية، كان الشرط أن يكون غيابك حضوراً، وأن تبقى همسات كل لقاء ضمنا صوتاً ورجع صدى في خيمة الوفاء جائلاً في كل شريان من شرايين الذاكرة، ويوم جلسنا لوضع اللمسات الأخيرة على ذلك الشرط، اكتشفت أنه محقق من زمن بعيد، فأنت مقيمة في كل خلية من خلايا الجسد، وأنت حاضرة في بسمة النجمة ومرح القمر وهما يعدوان في غابة تختزن أشجارها رنوة من رنوات مقلتيك القيثارتين اللتين وقعتا أروع ما في الحياة من أنغام. فكر النهر يوماً بصناعة زورق صغير يحمله إليك، بعد أن توقف عطرك عن مناغاته بأنسام الربيع، وانشغل بالتصميم، حتى لقد كان شغله الشاغل أن يبتكر زورقاً فيه طباع الربيع كلها، هيمنة نسيم، وتأرجح اخضرار، واخضلال مروج، وعندما شاهد كيف ارتسم الظل غلالة عذبة على أنفك الملموم أزاهير الفصول الربيعية كلها، عاد الى صوابه ليكتشف أن الزورق في حديقته منذ أن فكر فيك، ومنذ ذلك اليوم صار الربيع فصلك وفصل الجمال والأنوثة. أوراق مبعثرة على الطاولة، محبرة نزفت من فرط شوقها للكتابة، فوضى منظمة تحاول ترتيب القدرة على مداعبة القلم، خاطرة مرت من هناك ورصد الشرود كل خطوة من خطواتها، أهي حالة الوصول الى ذروة القناعة أنني قادر على التعبير عما يجول في النفس من مشاعر تجاهك، أم هي هاوية السقوط الى قمة العجز الذي تتلعثم فيه الشفتان، فتأخذ العينان بزمام المبادرة، ولعل التناقض الذي غلّف غيوم الموقف مطلعاً وخاتمة هو الذي جعلني مؤمناً أنني كتبت إليك أجمل ما سيكتب العشاق قبل أن أمد يدي لأخط سطراً واحداً. عرفت اليوم لماذا تصر النجيمات التائهة على التسابق الى خصلات شعرك الغجري، لأنه يجمع ملموماً أندى عبارات الرقة والسحر، وطموح هذه النجيمات مشروع لصياغة لوحة يعلقها الخيال في قصر التغني بأنوثتك الجامحة، وكلما مانعت في إطلاق خصيلات الشعر لتبحر مع النسيم عرفت أنك أكثر حرصاً على رؤية هذه اللوحة معلقة في متحف الجمال الأزلي. لنا موعد قادم في صدر العطر، ولطالما اشتعلت ينابيعه غيرة من أنوثتك، ولست مقتنعاً أن فترة الخصومة قد تطول، لأنه يبعث عبر زقزقة رسائله الهامسة أحر عبارات الترحيب بك زائرة تنقل من القلب الى القلب، وتسافر بين الأهداب والجفون، فإلى اللقاء أيتها الأميرة الغالية.
|