وقد نقل كل من تلفزيون لبنان والتلفزيون الجديد وإذاعة النور هذا اللقاء مباشرة عن قناة المنار.
ولقد وضع السيد حسن نصر الله مجدداً في هذا الحوار الأمور في نصابها الصحيح حين أكد, ومن بداية الحوار, أن المرحلة ليست معركة انتخابات نيابية أو كسباً شعبياً أو استمالة أصوات, بل هي مرحلة ترتبط بمصير البلد والوطن.
وتطرق السيد حسن نصر الله إلى العديد من المواضيع في هذا الحوار المطول, الذي بدأ في الساعة 9.10 مساء واستمر لغاية الساعة 12.30 بعد منتصف الليل, وسنحاول إلقاء الضوء على بعض هذه المواضيع.
الموضوع الأول هو الحوار الوطني اللبناني وقضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري, فلقد شدد السيد نصر الله في هذا اللقاء الإعلامي المفتوح, كأي وطني مخلص وغيور على أهمية الحوار بين اللبنانيين, مشيراً إلى أنه قال لوفد غبطة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير, الذي قام بزيارته قائلاً: (إن كل شيء قابل للنقاش في لبنان وعندما نقول: إننا نريد أن نعيش مع بعضنا فمن حقنا أن نناقش بعضنا, وهدفنا من موضوع المقاومة هو حماية لبنان من أي أطماع إسرائيلية وحماية الشعب اللبناني).
كما أكد السيد نصر الله أنه في الوقت الذي يتمسك فيه بسلاح المقاومة, لكونه الصيغة الأفضل لحماية لبنان وللتصدي لأي اعتداء إسرائيلي, انطلاقاً من حقيقة كونها من ثوابت صيغة (مقاومة, سلطة, جيش, وشعب) يبدي استعداده حتى لمناقشة مثل هذه الثوابت مع باقي اللبنانيين, معلناً أنه (إذا أقنعنا أحد بشيء أفضل فليكن).
كما أكد الأمين العام لحزب الله أنه لا يمكن استثناء أحد من هذا الحوار الوطني, فالحوار بين حزب الله وحركة أمل من طرف ومع المعارضة من طرف آخر لا يعني حواراً بين جميع اللبنانيين قائلاً: (حزب الله وحركة أمل لا يمثلان بقية الشعب اللبناني, لماذا لا نجلس كمعارضة وعين التينة والقوة الثالثة أيضاً على طاولة حوار بدلاً من الخطاب الإعلامي وتحركات الشارع?).
فالمشكلة كما يراها السيد حسن نصر الله تكمن في أن بعضاً من المعارضة (يعتبر نفسه البلد وصاحب القرار ويقول للآخرين: تعالوا وانضموا إلينا), في حين أن لبنان قائم على تعددية طوائفه وعلى عيشها وحوارها المشترك وأن (البلد لو بقي في يد أصحاب حروب التحرير والإلغاء لما كان بقي لبنان.. المشكلة أن هناك أناساً صدقوا أنهم البلد وهم الشعب ولم يعد هناك غيرهم, والآخرون سيلتحقون بهم), ولابد لهذا الحوار من أن يكون لبنانياً صرفاً, وبعيداً عن الإملاءات والتدخلات الخارجية, فإذا كانت شعارات السيادة والحرية والاستقلال التي ترفعها المعارضة اللبنانية اليوم تعني استبدال ما تسميه (الوصاية السورية) بالانتداب الأميركي-الفرنسي فإن السيد نصر الله حدد موقفه قائلاً (أنا أرفض ولا أنضم).
كما أكد السيد نصر الله مجدداً رفضه لعملية التخوين والشتائم التي أطلقت في المظاهرات وأكد أيضاً أنه مع (حفظ المقامات وإن اختلفنا في السياسة) وأن (اللغة التي استعملت في المظاهرات بدءاً من تشييع الرئيس الحريري مروراً بتظاهرة ساحة الشهداء ورياض الصلح والنبطية مرفوضة ومدانة, وإذا كانت هناك أحزاب تمارسها فهي مخطئة, وهذا تصرف فردي وليس من شيم حزب الله أو من شيم الأحزاب الأخرى).
لكن هذا لا يعني التعامي عن الوقائع, فهناك (معارضة في الخارج) تتصل بالإسرائيليين, وهم لم يكونوا يوماً إلى جانب المقاومة, بل مع إسرائيل, كما أكد أنه (سيرسل قريباً أسماء هؤلاء إلى الاخوة في المعارضة), وهو ما يجري انتظاره بفارغ الصبر, من أجل الحقيقة والتاريخ.
كما أعلن أن الرموز الاستفزازية التي تتسلق على أكتاف المعارضة لا يمكن القبول بها قائلاً: (إن من دمر البلد لا يمكن قبول كلامه عن الإعمار, ومن وضع 17 أيار لا يمكن أن يتحدث عن السيادة والاستقلال, وبالتالي لا يستطيع الذي عقله إلغائي للآخرين أن يطالب بالحوار والديمقراطية).
كما أكد السيد حسن نصر الله على ضرورة إخراج القضايا الوطنية الكبرى من التجاذبات السياسية الضيقة, وأهمها جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري, قائلاً: (لحظة استشهاد الرئيس الحريري توجهت الاتهامات ضد سورية والسلطة, وأنا تحدثت عن الرئيس الشهيد من دون تملق, في وقت كان بعض الناس يتمنون له الموت والآن يطالبون بدمه, هذا معيب.. هناك من يستغل دم الرئيس الشهيد سياسياً, وأنا قلت أخرجوا دم الرئيس الشهيد من التوظيف السياسي).
فاغتيال الشهيد الحريري يجب ألا يكون (قميص عثمان) الذي تستخدمه بعض القوى لتحقيق مكاسب صغيرة على حساب الحقيقة والوطن, مؤكداً على أن (أخذ دم الحريري في شعارات سياسية سيطير البلد).
كما أشاد في هذا السياق بخطاب النائب (بهية الحريري) بوصفه خطاباً جامعاً, يوفر أرضية ممتازة للتلاقي والحوار ضمن مناخ يسوده العقل والمنطق, مؤكداً على أنه لاحظ (إشادة به من الموالاة ولم أر إشادة به من بعض المعارضة, لم أجد أن المعارضة أشادت بخطاب السيدة بهية الحريري).
كما نوه إلى أنه من المعيب قول بعضهم إن إسرائيل لا يمكن أن تقتل الحريري, مؤكداً على ضرورة (الخروج من الاتهامات والمطالبة بكشف الحقيقة وكشف القتلة), مذكراً بأنه قد رغب من الرئيس بشار الأسد أن يطالب السعودية بالمشاركة في التحقيق في تلك الجريمة البشعة معرباً عن أن (هناك قمة في الجزائر فلتأخذ القرار بتشكيل لجنة تحقيق عربية, واقترح أن تطالب الدولة اللبنانية بذلك).
أما الموضوع الثاني الذي جرى تناوله في ذلك اللقاء فهو الوجود السوري في لبنان والضغط الأميركي على سورية, حيث أكد السيد نصر الله على أن المنطقة لم تدخل في (العصر الأميركي), كما يحاول بعضهم أن يزين الأمور, فالمسألة على العكس تماماً, بدليل عجز أميركا عن حماية مصالحها في المنطقة, وبدليل كون احتلال العراق هو (آخر الحرب وليس بدايتها), وأن الانسحاب السوري من لبنان لم يكن (مطلباً أميركياً جدياً), لكن نزع سورية لسلاح حزب الله وسلاح المخيمات كان المطلب الأساسي, الأمر الذي رفضته سورية, والذي أدى بالتالي إلى احتدام الضغط الدولي عليها لسحب جيشها, معلناً أن أحد قادة العالم قد عرض على سورية (نزع سلاح المقاومة مقابل إرسال ثلاث فرق سورية إلى الجنوب).
ويرى السيد حسن نصر الله أنه أمام هذا الرفض السوري القاطع جاء القرار 1559 كنتيجة للتوافق الفرنسي-الأميركي, من حيث أن فرنسا تسعى إلى خروج القوات السورية من لبنان ومنع التمديد للرئيس لحود, الأمر الذي يشكل النصف الأول من القرار, في حين تريد أميركا نزع سلاح المقاومة والمخيمات.
ومعروف أن سورية كانت دوماً مع الشعب اللبناني ومع مقاومته وأمنه ووحدته, وأن وجودها العسكري في لبنان كان من أجل تحقيق هذه الغاية, لكن ما أن حمل هذا الوجود بعض الآثار السلبية على أغراضه الرئيسية حتى سارعت سورية إلى سحب قواتها من لبنان, الأمر الذي أكده الرئيس بشار الأسد في خطابه التاريخي أمام مجلس الشعب السوري قائلاً أنه: (لا يجوز أن تكون سورية في لبنان موضع خلاف أو انقسام, لأن سورية دخلت لمنع التقسيم فلا يجوز أن تكون هي موضع انقسام اللبنانيين).
ولهذا أكد السيد نصر الله على ضرورة توفر الوعي لدى اللبنانيين كافة لمثل هذه الحقائق في مثل هذه المرحلة الدقيقة, فكما أن سورية رفضت أن تكون أداة ورأس حربة للسياسة الأميركية, كذلك يجب على اللبنانيين أن يأخذوا حذرهم من أميركا لأنها (تريد تحقيق مصالح وأمن إسرائيل بأيد لبنانية وبدم لبنان وبصراعات لبنانية).
ومن هذا المنطلق يحذر السيد نصر الله من الفتنة التي تريد أميركا زرعها في لبنان, عن طريق نشر التحريض بين الطوائف والمذاهب في لبنان, على غرار ما تفعل في العراق, مشيراً إلى أن حزب الله لم يقتل أي لبناني عميل لإسرائيل خلال مرحلة التحرير أو بعدها نزعاً لفتيل أي فتنة يمكن أن تثار, لذا فهو يرى أن كل من (حمل سكيناً أو سلاحاً وقتل به مواطناً سورياً هو عميل إسرائيلي لأنه يريد تخريب البلد).
أما الموضوع الثالث الذي سنتناوله فهو التوطين الذي تطرق إليه مجدداً, بعد أن تعرض لذكره في بيانه الصحفي يوم 6 آذار, وفي الخطاب الذي ألقاه في المظاهرة بساحة رياض الصلح يوم 8 آذار.
قائلاً إن الشهيد رفيق الحريري أكد له أن هناك من يعمل في واشنطن من أجل توطين الفلسطينيين في لبنان, بغرض استخدام الأمر ذريعة للتقسيم وإقامة وطن قومي مسيحي في بيروت وكسروان وجبيل والشمال والسلسلة الغربية ضمن صيغة فيدرالية, (وهو أمر مرفوض من الجميع).
فالتوطين حسب ما يراه سماحته سيء لكلا الفلسطينيين واللبنانيين, ففي حين يعارض بعض اللبنانيين مبدأ التوطين, فإن حزب الله يرى فيه تسليماً كاملاً بمفهوم إسرائيل, فبعض البدائل المطروحة حالياً للتوطين هي ترحيل الفلسطينيين إلى مكان ما.
أما الخيار الثالث فيتمثل بالحقوق المدنية للفلسطينيين في المخيمات, حيث يرى سماحته وجوب إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية في لبنان, مع الإصرار على رفض توطينهم, لأن الحل الطبيعي هو عودتهم إلى ديارهم, لا أن يكون الأمر مقايضة بنزع لسلاح المخيمات, مع التأكيد على (وجود مشكلة أمنية قابلة للحل) ضمن هذا الإطار.
شكل هذا الحوار المباشر مع سماحته تأكيداً جديداً على الصورة الحقيقية للبنان, والتي يحاول بعضهم إخفاءها, والمتمثلة بلبنان المقاوم المنتصر المؤمن بالعيش المشترك بين أبنائه على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم, لبنان الواحد المتوحد المتسامح ومنارة التعددية الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية, والمؤمن بالأخوة مع سورية, والرافض لأي شكل من أشكال تعريض هذه الحقائق للخطر, من قبل أي جهة, ولأي مصلحة خارجية كانت.
مرة ثانية السيد حسن نصر الله قائد المقاومة اللبنانية المنتصرة والد الشهيد هادي... شكراً.