حضرني هذا القول وانا اتابع محاضرة الروائية الاسبانية خوسفينا الدكوا في المركز الثقافي الاسباني بدمشق منذ ايام وكانت بعنوان ( الذاكرة والادب) . تحدثت فيها عن دور ذاكرة الاديب في صياغة عمله الادبي لا سيما في الادب الروائي فالاديب كما تقول الدكوا يعيد ابداع ما عاشه , ووسيلته في هذه العملية الابداعية هي الذاكرة وهذه الذاكرة - كما قالت - ليست تراكمية وانما انتقائية.
فالذاكرة تعمل مثل الغربال تنتفي وتؤرشف ما له مغزى مما يعيشه الكاتب, لكنها ترى ان ذلك يجب ان يستغرق زمنا طويلا بعكس الشعر الذي يعتمد على الحس الآني المباشر , ويسعى للامساك بلحظة معينة لذلك ترى خوسفينا الدكوا انه من الصعب كتابة رواية جيدة في الشباب المبكر.
ونتيجة لأن الادب الروائي هو نتاج ذاكرة الاديب لذلك ترى الدكوا ان الكاتب موجود في جميع شخصياته الروائىة.
وترد الاديبة الاسبانية القسم الاعظم من مخزون الذاكرة عند الكاتب الى مرحلة الطفولة فهي ترى ان السنوات الاولى من حياة الكائن البشري هي الحاسمة في تفسير المرحلة المتقدمة من السن , وبتعبير آخر فان المرحلة المتقدمة من السن في حياة الانسان هي نتاج حتمي لمرحلة طفولته.
ولأن الاديبة خوسفينا الدكوا عاشت طفولتها حتى سن الثالثة عشر ة من عمرها في سنوات الحرب الاهلية الاسبانية , فقد انعكست هذه المرحلة على معظم روايات الكاتبة (قصة معلمة) تتحدث عن معلمة عاشت ايام الحرب الاهلية الاسبانية الصعبة ثم تأتي روايتا (نساء بالحداد) و( قوة القدر) لتكملا الرواية الاولى التي بطلتها ( غابر ييلا) التي تهاجر الى المكسيك هربا من جحيم الحرب ثم لتعود الى اسبانيا بعد موت الجنرال فرانكو.
وخلصت الاديبة خوسفينا الدكوا في ختام محاضرتها الى ان الذاكرة هي ما يتبقى عندما ينسى كل شيء تقريبا لذلك تجري الكتابة بالذاكرة وعن الذاكرة ومن اجل الذاكرة.
اعقب المحاضرة نقاش بين الجمهور والاديبة المحاضرة فقالت ردا على سؤال انها قرأت الف ليلة وليلة لكنها لم تقرأ روايات عربية لان ايا منها لم يترجم الى الاسبانية وهي لا تعرف العربية وعن تأثير الادب الاندلسي في ادبها قالت ان هذا التأثير موجود ولكنه غير مباشر والتأثير كان لكل عناصر الحضارة الاندلسية من ادب وعمارة وغيرها من الفنون .
وقالت انها كانت تعيش في شمال اسبانيا لكنها كانت تحلم دائما بالاندلس ولا يفوتني ان اذكر أن خوسفينا الدكوا قالت في مقدمة محاضرتها انها تحب دمشق وانها قرأت عنها العديد من الكتب وعندما جاءتها في هذه الزيارة زادحبها لها.
والاديبة الاسبانية خوسفينا الدكو امن مواليد عام 1926 وهي تنتمي الى ادباء جيل الخمسينات تحمل اجازة في الفلسفة والاداب من جامعة مدريد وهي زوجة للاديب الاسباني (وايغناثيو الدكوا) الذي ينتمي الى جيل ادباء لخمسينات ايضا .من رواياتها ( اطفال الحرب ) , (لاننا كنا شباب ) , ( حكاية معلمة) , ( اعترافات جدة) ,( حكايات مختارة) , (نساء الحداد ) وهذه الرواية يجري حاليا ترجمتها الى اللغة العربية في القاهرة وسوف تصدر قريبا واضافة الى خط سيرها الادبي مارست خوسفينا الدكوا تعليم الاطفال لسنوات طويلة .
واخيرا .. كنت اتوقع ان ارى في المحاضرة عددا من ادباء القصة والرواية في بلدنا ليطلعوا ويتحاوروا مع الاديبة الاسبانية الكبيرة وتجربتها لكنني لم اشاهد الا الدكتورة ناديا خوست.
ويبدو ان ادباء القصة والرواية عندنا ولا سيما الشباب منهم قد تجاوزوا المحلية والعربية والعالمية.
فلم يعد يعجبهم احد من ادباء العالم لذلك اصبح عندهم تطلعات كونية ويتطلعون ان يلتقوا روائيا من كوكب اخر يليق بهم .