الكاتب المسرحي والدرامي..اعماله وفعالياته تروي عنه ..لقد تصدرت صور سارتر كل المجلات والنشرات الاخيرة في باريس لكن دون سيجارته المعتادة في يده كما لوانه يعود الى الشباب ليحثه الخطا الى نزعته الى المخالفة والخرق.
بدأ سارترطالبا في المدرسة العليا الفرنسية 1924-1928 ثم استاذا للفلسفة عام 1929 في الهافر وبعدها في باريس اول مؤلف له ( التخيل ) عام 1936 ثم اتبعه ب (الخيال) .
في شباط 1940 جان بول سارتر الشاب الواعد ينتقل في الالزاس متسائلا: حول ابناء جيله هل كان هناك قبل الحرب اقوياء اكثر مما كنا ? اقوى من نيزان وآرون وسيمون دوبوفوارلم نكن نسعى لنخرب ولا لنسبب الذهول والحماقة..ما نريده اكتشاف العالم وفهمه بصبروحكمة وان نتخذ لنا مكانا فيه وما سيفتقد هوهذا الجو الفريد الغني بمفكريه..نعم كان جيلا رائعا من المفكرين لن ننسى جورج كانفيم ودانييل لاغاس واصدقاءه المرموقين بول نيزان الذي قتل برصاصة المانية وريمون آرون الذي استمر في تبادل الآراء مع سارتر بعد غياب نيزان وكامو الذي كان يقول(سارترعبقري وليس انا )وقد مرت فترة تصورحالة جدل بين سارتر وكامو حول نشر العقل الدياليكتيكي .
وحده موت الاخرين مكنه من تصحيح ما كان يدعوه فلسفة الراديكالية.
من خلال سارتر اردنا ان نثني على جيل بأكمله..جيل اضاء العالم بقوة لقد اثرى سارترالمكتبة الوطنية الفرنسية ففي العرض الكبير حاليا لسارترتبرز الوجوه المختلفة له المفكر المؤلف النشاط والالتزام كما نلحظ غناه بالمخطوطات اذ تمتلك المكتبة مخطوطات رائعة ومميزة له ..انه الكاتب الذي لم يتوقف عن الكتابة طوال حياته والعرض يتبع مراحل كتاباته حسب تسلسلها التاريخي منذمرحلة الشباب وحتى النهاية. وبعرض المخطوطات ثمة ما يثير الفضول لاظهار بعض المخطوطات التي اختفت كالمخطوطة الاصلية ل (الوجود والعدم).مؤلفه ( حمداً لله)يبقى في فهرس الكتب المحرمة ولكونه حكم عليه بالنسيان نكتفي بالدعوة اعلاميا للكشف عن شهيرته ( اخطاء سارتر ) واحدى رسائله التي كتبها عام 1926 ايضا موجودة في المكتبة الوطنية يقول فيها : (امنيتي الابتكار والخلق فلا استطيع رؤية ورقة بيضاء دون ان تتملكني رغبة جامحة بكتابة شيء عليها )وفي تلك الفترة يقرر ان يدرس الفلسفة ويوجز طموحاته بالقول ( اريد ان اكون سبينوزا وستاندال).
عندما التقته سيمون دوبوفوار في ربيع 1929 كانت قد ذهلت بقناعاته وافكاره وحين قرأ لها رسائله الاولى حدث معه ما يشبه مغامرة ميتافزيقية.
تقول دوبوفوار( لأول مرة في حياتي احس ان احدا يسيطر علي فكريا ..انه سارتر حاورته كثيرا وقارنت نفسي به لكن ما وجدته اني لست من مقامه) ومع ان البعض نفى هذا القول لكنها اكدت ذلك في مذكراتها والتي تظهر موهبتها فيها اكثرمن رواياتها .
في عام 1945 يدعى سارتر الى الولايات المتحدة مع مجموعة من المتخصصين الفرنسيين ويكتب بعد عودته( ماذا تعلمت من قضية الزنوج) ليصبح عضوا في هيئة (حماية الوجود الافريقي)التي أسست عام 1947 ومن ثم تمنحه حرب الجزائر الفرصة ليتشدد في مواقفه لمصلحة التيارات المطالبة بالاستقلال .. مستندات عديدة تثبت انخراطه في الحزب الشيوعي الفرنسي ولم يتوقف الا بعد سحق حركات التمرد في بودابست عام 1956 وكان له رحلات الى كوبا عام 1960 مع سيمون دوبوفوار وتشهد على ذلك صورهم مع تشي غيفارا ثم الى غزة عام 1967 ايضا التزامه بمسألة السلام في الشرق الاوسط قاده الى جمع مفكرين فلسطينيين واسرائيليين في بيت الفيلسوف ميشيل فوكو .
كان قد اسس حزب التجمع الديمقراطي الثوري عام 1948 وعمل على تحريكه (باعطائه مضمونا واقعيا لحقوق الديمقراطية المجردة بتأسيس اوروبا اشتراكية وثورية) وكان يدافع عن الحزب لأنه يمثل مصالح الطبقة العاملة المقهورة والمؤلف الذي اخرجه في تلك الفترة هو ( سبل الحرية ) ثم ( الايدي القذرة) اما مؤلفه (احمق العائلة) فكان مشروعا انتربولوجيا شاملا .
ماذا حمل سارتر الى العالم ? رؤيته الراديكالية للوضع البشري غير السياسي - الانطولوجي ان الكائن البشري مستسلم للقلق ما ان يعتبر وجوده داخل حقيقته انه ما ليس عليه وليس ما هو .هو وبهذا البعد للذات فان استحالة التوافق مع الذات ليست الا حرية المعتقد ويقسم تطور سارتر الفلسفي الى ثلاث مراحل : النفسية والانطولوجية والدياليكتيكية وقد توضحت مفاهيمه للوجودية الملحدة في (الوجود والعدم )التي وضعت اسس الوجودية واحدثت اخلاقايته في الالتزام والمسؤولية مبدؤه في الوجودية ان الوجود يسبق الماهية.
في اعماله الروائية وحسب تعبيره الخاص ( كل شخصية هي فخ ) اختبر سارتر مفهومه الغالي . على قلبه ( الالتزام )وامسك به الى حد ا لغثيان بحيث ان القارئ المعاصر عندما يطالع الغثيان 1938 لا يفقد شيئا من قدرته على الانفعال يقول فيها ( كل موجود يولد بلا سبب ويستطيل العمر به عن ضعف منه ويموت بمحض المصادفة).
ولا نبالغ اذا قلنا ان سارتر سيطر على المسرح الفرنسي لسنوات عديدة بدأت منذ عام 1943 قدم خلالها الكثيرمن المسرحيات بمزيد من النجاحات كان اولها ( الذباب ) وترجمت الى العربية (الندم )ثم (موتى بلامدفن) (المومس الفاضلة )عام 1946و(الايدي القذرة )التي عرضت 625 مرة عام 1948 وكثير غيرها ..
وقد بدا المسرح في حياة سارتر كضرورة ملحة ورغبة حقيقية.
يشعر بالفخر كل من عاصر هذا الرجل البليغ الاثر الطريف الودود المفعم بالمجد الذي لم يصل اليه اي كاتب فرنسي كان يشع بالنشاط والحيوية ..كان يشجع فينا المرفوض وكل ما يوحي بالامل .. كان ينسى تماما انه سارتر ..
لجنة نوبل ذهلت بقامته الفنية وأرادت منحه الجائزة لكنه رفض هذا العطاء وأنف منه .
كان حرا شديد الوضوح ومدركا لكل شيء انه فيلسوف الحرية الاخير وهو حي لن يموت لانه تحول الى ما كان عليه .. دعوة الى الحرية .. سنكون احرارا اكثر باعتناقنا افكار سارتر..