لاسيما بعد صدور القانون رقم10 لتشجيع الاستثمار.. وإذا كان من الصعب حصر تعريف لمصطلح مناخ الاستثمار.. فإن ذلك لا ينفي أبداً ثمة ما يوحي به.. استطيع أن أقول من خلال تلك الإيحاءات أن مناخ الاستثمار هو كل أجزاء الواقع التشريعي القضائي والتنفيذي التي تجذب المستثمر أو تبعده, أعلم أنني لم أحدد بشكل دقيق ماهية تكوين هذا المصطلح.. لكن.. بشكل ما أردت الايحاء بخطورة وخطأ التفكير بأن اغراء المستثمر عن طريق الخفض الضريبي والتنازل عن بعض حقوق الدولة هي العوامل المحددة لمناخ الاستثمار فهناك:
- النصوص والتشريعات ومدى ملاءمتها.
- القضاء من ناحية مقدرته على البت السريع بالمخالفات والمخاصمات وعدالته وشفافيته.
- الوضع البنيوي.. البنية التحتية والمستوى التقني والكادر البشري.
- الوضع الإداري.. الروتين ومدى خضوع القرار الإداري للقانون ومعادلة هذا وذاك.
لن أسرف أكثر في محاولة حصر تعريف لمناخ الاستثمار أو تحديد لأجوائه.. ما أريده هو التعريف بهذا المناخ, ومن يقوم به?.
نقول مبدئيا.. الإعلام.. لكن الإعلام كمتابع لمجريات الحياة بتنوعها, ينقل ما يفيد في تحسين مناخ الاستثمار وما يؤذي أيضا.. كما أنه ورغم سلطته واسعة الطيف محدود القدرة إذا ما واجه معطيات أخرى, وتتحدد قدرته أكثر في مسألة الاستثمار.. لأن الاستثمار يخضع لحركة رأس المال.. وهو -أي رأس المال- موصوف بأنه جبان.
وبالتالي فإن أصحاب رؤوس الأموال من رجال أعمال ومستثمرين, قد يتجهون وفق تأثيرات الإعلام.. لكنهم يعملون وفق التجربة التي يخوضونها بأنفسهم أو تنقل لهم صورتها من تجارب آخرين.
وكل تجربة ينقلها مستثمر أو شركة أو مؤسسة أو فعالية تعادل عشرات بل مئات المقالات والأفلام الدعائية وبالتالي فإن السلوك العام.. التشريعي.. الإداري.. القضائي مع الشركات والمؤسسات والمشاريع وخصوصا الأجنبية المقيمة عندنا هي أهم محددات الاستثمار, وأهم المؤثرات في قدوم المستثمر أو عدمه.
وهناك شركات كبرى لا تكتفي بأن تجيب من يسألها عن تجربتها في هذا البلد أو ذاك بل لديها قدرة لأن تقدم لأكثر من سبب معلومات دون طلب من أحد حول واقع هذا البلد الاستثماري (مناخ الاستثمار).
هذا يفترض جدار حماية لعمل كل من يعمل وفق القانون واستجابة فعلية للقانون والقضاء السريع والابتعاد عن التعنت والمزاجية, في التعامل مع الشركات والمؤسسات التي تستضيف مشاريعها.
لن أعود الآن هنا إلى التذكير بالأثر السيىء الذي قد يكون نجم عن الموقف الذي أسس لقضية عصام الزعيم وبركات شاهين ومجلس إدارة مؤسسة الصناعات النسيجية .. فماذا ينفع كل الإعلام إذا كانت شركة كبرى توصل إلى العالم إثارة قضية من هذا النوع وبهذا الحجم لأنها استطاعت تحرير كفالاتها وفق القانون?!.
طبعا أنا لا أدعو لفتح بلدنا أمام الشركات الأجنبية دون حسيب أو رقيب.. أبدا.. بل أقول وفق القانون.
لكن ومن باب أول لا أرى مبررا لمخالفة القانون والحكم القضائي من أجل الضغط على شركة ما تعمل في سورية استثمارا أو تجارة.
في هذا الإطار أريد أن أشير إلى قضية وكالة (مرسيدس) في سورية. وفي رأيي الشخصي أنه لا يجوز بأي شكل أن تحتل قضية وكالة لشركة ما في العالم كل هذا الحجم من الأخذ والرد والقول والقول على القول?.
المخاصمة والتقاضي حق مصان وضرورة ملحة.. لكن.. بعد أن يقول القضاء كلمته بما لا يتنافى مع رغبة شركة ما بتحديد وكيلها.. فلا يجوز أبدا فرض كلمة أو محاولة فرضها على صاحب الحق.
مرسيدس اختارت وكيلا لها.. وهذا حقها.. وكيلها يعمل وفق القانون.. وهو مواطن عربي سوري.. فلماذا أفترض أن هناك من هو أحق منه?!.
هناك من يملك الحق في أن يقول: الوكالة لي.. وهنا تخلق حالة التخاصم.. والحل في القضاء.. وأريد أن أسأل سؤالا:
إذا استطاع مدعي الحق بالوكالة أن يربح القضية, هل يمنع ذلك وبعد تنفيذ الحكم أن تقوم الشركة بتغيير وكيلها وتسمية بديل عنه?!.
فكيف بالأمر إن كان لم يربح القضية?!.
أنا غير معني أن يكون وكيل مرسيدس هذا أو ذاك لكنني أْعتقد أن استعصاء مسألة مثل هذه إلى هذا الحد وبما يمنع الشركة من التجارة مع سورية منذ سنوات عديدة.
إنها تجربة ما.. قد تكون مسيئة لمناخ الاستثمار.. فهل نقبل بالمنطق والحق والعدل وننهي هذه المسألة التي أخذت أكثر بكثير مما تستحق ?!.