اليوم من الواضح أن جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة ، تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليمين والدوليين ، وهذا بدوره سيؤدي إلى مزيد من تدهور الوضع في اليمن وتدهور أمن المنطقة ككل ، وهذا ما تعيه بعض القوى الوطنية اليمنية وعياً واضحاً ، أنصار الله وحلفاؤهم والكثير من القوى الأخرى .
لقد خاضت المملكة الوهابية حربها في اليمن تحت عناوين وأهداف وتقاطع مسارات مختلفة ، تتصل بوضعها الأمني وموقعها الخليجي ومكانتها المتهالكة في واشنطن ، وسعيها للتأثير على المسار التفاوضي المتعلق بالملف النووي الإيراني أملاً بعرقلة التفاهم الذي كان قد وقع بعناوينه الرئيسية ، لكنها خاضت هذه الحرب بحسابات سورية أيضاً ، فكل شيء في سورية كان يوحي بتقدم نحو تثبيت فشل الحرب على الدولة السورية وكل شيء يوحي أن من يوقع على التفاهم في الملف النووي مع ايران ، يعلن يقينه باستحالة الرهان على تغيير موازين القوى الإقليمية ضدها ، وهي الموازين التي تصنع في سورية ، وبالتالي ، فهو يوقع ضمناً على وثيقة نهاية الحرب في سورية بتكريس نصر دولتها ورئيسها وجيشها ولو مع وقف التنفيذ.
بعد عامين على حرب اليمن تستنفذ مملكة الرمال الوهابية جيشها ومالها و مكانتها السياسية ، وتحرق أوراقها بسرعة أملاً بحصاد ولو بسيطاً لمكانة تستشعر بتلاشيها ، وسيكشف أي متابع لتطورات المشهد اليمني بأن ما تقوم به المملكة ليس حرباً لإعادة الشرعية كما تدعي، بل حرب لإرجاع الهيمنة التي لطالما مارستها على اليمن طوال سنوات ، قبل أن يتحرك الجيش اليمني والشعب اليمني في مسار (التصحيح الثوري) لتفادي سقوط اليمن في قبضة آل سعود مرة أخرى .
هذا الهدف الذي لم يتحقق بالرغم من الحملة العسكرية والقصف اليومي للمدن اليمنية بداية من المحافظات الشمالية والعاصمة السياسية صنعاء وبعض المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن وهي الحملة التي ركزت فيها مملكة الرمال وحلفاؤها على القصف العشوائي الذي قتل الآلاف من المدنيين العزل وتهديم البنى التحتية للدولة والشعب اليمني والمطارات المدنية والعسكرية ، وهي الحملة التي فشلت فشلاً ذريعاً عن تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة ، ما استدعى الطرف السعودي لتوسيع الحملة بضم دول أخرى تحت مسمى جديد ( التحالف الإسلامي ) والتي ليس لها وزن على المستوى الاستراتيجي العسكري الدولي كنيجيريا، ليبيا ، تونس وبعض الدول الإفريقية الأخرى ، في حين رفضت الجزائر نظراً للعقيدة الثابتة للدولة الجزائرية والجيش الجزائري بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، وكذلك التناقض الذي تحمله مملكة الرمال الوهابية التي تغذي الإرهاب في العديد من الدول كسورية والعراق ،وتدعي محاربته من جهة أخرى . ليمضي هذا التحالف بنفس الأهداف لـ (عاصفة الحزم ) من دون تحقيق أي مكسب على الأرض ، بل فقدت مملكة الرمال السيطرة على العديد من المعابر الحدودية مع اليمن في محافظات نجران وجيزان تحديداً, وفقدت مئات المقاتلين سواء من الضباط والقادة أو من الجنود وكذا الحال بالنسبة للقوات الحليفة كالإمارات التي فقدت عدداً كبيراً من جنودها وضباطها, والمغرب أيضاً.
ولو ألقينا نظرة على التغطية الإعلامية لهذه الحملات سنكتشف مدى التضليل الإعلامي الكبير الممارس لتلميع هذه الحملة العسكرية من طرف وسائل الإعلام التابعة لمملكة الرمال الوهابية والخليج عموماً وبعض الدول الحليفة من خلال تغاضيها عن تغطية المجازر الكبيرة التي نفذها سلاح الجو الخاص بالتحالف في المحافظات اليمنية, وعلى النقيض من ذلك نجد المؤسسات والمنظمات والمراصد الحقوقية غير الحكومية تقدم تقارير مروعة عن حجم الخسائر المادية والبشرية المسجلة على إثر القصف الجوي اليومي على المدنيين والبنى التحتية اليمنية.. لكن المنظمات الدولية المختصة لم تسجل موقفاً جدياً في القضية, فهذه الغارات جاءت بمباركة أميركية «إسرائيلية» وغربية عموماً لايتجرأ أحد على مخالفتها.
وهنا لايمكن انكار حقيقة أن أدوات الحرب المذكورة كادت خلال فترة ما أن تنجح في إسقاط الدولة اليمنية في الفوضى العارمة, لولا يقظة القوى الوطنية اليمنية منذ اللحظة الأولى لإنطلاق الحرب عليها, فقد أدركت هذه القوى حجم خطورة الحرب مبكراً, وتنبهت لخطورة ماهو آت, ورغم حجم الدمار الذي أفرزته حرب الاستنزاف للجيش اليمني وحلفائه, فمازال الجيش اليمني وحلفاؤه ممثلين بالقوى الوطنية قادرين على أن يبرهنوا للجميع أنهم قادرون على الصمود, والدليل على ذلك قوة وحجم التضحيات والانتصارات التي يقدمها الجيش اليمني وحلفاؤه, والتي انعكست مؤخراً بظهور حالة واسعة من التشرذم لما يسمى« أنصار هادي» و«القاعدة» في مناطق واسعة من شمال وشمال غرب وشمال جنوب اليمن.