جعلت من بلاده الحليف الحيوي الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة.
وخلال نهاية الأسبوع الماضي انتشرت بسرعة الأنباء المقلقة حول الإعلان المفاجئ للسلطات الأوزباكستانية والقيرغيزيستانية عن رغبتهما بجلاء القواعد الأميركية من بلديهما.
واتهم رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال ريتشارد مايرز روسيا والصين بأنهما تحاولان الضغط على الدولتين الصغيرتين في منظمة تعاون شنغهاي, لاتخاذ مواقف علنية متشددة تجاه واشنطن أكثر مما تريدانه في الواقع.
وقال مايرز لأحد الصحفيين يبدو الأمر بالنسبة لي كأن دولتان كبيرتان تحاولان الضغط على دولتين أصغر .
ويوم الجمعة الماضي, انتقدت وزارة الخارجية الروسية تصريحات الجنرال مايرز وقالت في بيان أصدرته لقد ذهلنا لهذه التعليقات .
واللافت أن الأحد الماضي, وبعيداً عن الشكوى من أن روسيا والصين تحاولان الضغط عليه, قال الرئيس الجديد المنتخب في قيرغيزستان كومانبيك باكاييف إنه يعتقد أن على القوات الأميركية مغادرة قاعدة ماناس الجوية في بلاده - القاعدة الحيوية لإمداد القوات الأميركية في أفغانستان بالدعم الجوي واللوجيستي الأرضي - قائلاً على شاشة التلفزيون الروسي لماذا لا يبحث في هذا السؤال? (الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من قاعدة ماناس) .
وفي هذه الأثناء, فرضت أوزباكستان قيوداً مشددة حول الاستعمال المستمر لقاعدة كارشي-خان أباد الجوية في البلاد.
لكن إذا أجبرت الولايات المتحدة بالفعل على الانسحاب من قاعدتي خان أباد وماناس اللتين تستعملهما منذ التحضير لغزو أفغانستان في العام ,2001 فإنها قد تضطر أكثر من أي وقت مضى الى الاتكال على باكستان لتوفير قواعد عسكرية ومراكز إمداد لوجيستية للقوات الأميركية وقوات الناتو المنتشرة في أفغانستان وتوفير الدعم للرئيس حميد قرضاي هناك.
ومن السخرية أن باكستان كانت مصدر الدعم الرئيسي لنظام الطالبان الإسلامي المتطرف الذي وفر التغطية والدعم لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن خلال السنوات التي سبقت الاعتداءات الإرهابية الكبرى في 11 أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن والتي أدت الى مقتل أكثر من 2800 شخص.
لكن بعد اعتداءات 11 أيلول 2001 تغيّر الوضع . لقد كان تعاون باكستان حيوي بالنسبة الى الولايات المتحدة التي حشدت قوتها للإطاحة بنظام الطالبان وملاحقة تنظيم القاعدة على الرغم من أن القوات الأميركية وحلفاءها فشلوا في الإيقاع بأي من زعماء القاعدة الرئيسيين.
وتستمر الولايات المتحدة في سلوك مسار خطير وصعب للموازنة بين باكستان والهند.
وتشبه باكستان صديقة أو خليلة حظيت بها واشنطن منذ فترة طويلة وتشعر اليوم أنها غير مرتاحة معها, لكنها لا تجرؤ على التخلي عنها وتحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى. وتشبه الهند ¯ أكبر دولة ديموقراطية في العالم وهي مثل الولايات المتحدة تتكلم الإنكليزية والتي تحمل إرثاً سياسياً ناتجاً عن الاستعمار البريطاني ¯ الفتاة المثيرة الجديدة التي ترغب إدارة الرئيس بوش بمغازلتها لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع التخلي عن شريكتها الجنوب آسيوية الأخرى باكستان.
وأثارت الولايات المتحدة غضب الهند عندما أعلنت في الربيع الماضي عن موافقتها على صفقة بيع باكستان 60 طائرة حربية مقاتلة من طراز ألف .16
ونتيجة لهذا القرار مال التوازن الإستراتيجي النووي في جنوب آسيا لمصلحة باكستان, إذ أن قواعد الصواريخ الباليستية لا يمكن إطلاقها سوى من منصات ومراكز معروفة وغالباً ما تخضع للمراقبة الدائمة من الأقمار الصناعية الهندية التي بإمكانها إعطاء المعلومات الدقيقة في الوقت الحقيقي, في حين أن طائرات أف 16 (القادرة على حمل صواريخ نووية) تبقى عصية على المراقبة والرصد.
لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية, حاولت واشنطن تعديل الموقف عبر الإبقاء على تعاونها البعيد المدى وشراكتها الاستراتيجية مع الهند بإعطاء الضوء الأخضر لاستئناف التعاون بين واشنطن ونيودلهي لتطوير الأسلحة الدفاعية الصاروخية الباليستية.
وقد لقي هذا القرار ترحيباً في الهند حتى من قبل أشد المنتقدين للتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. ويفتح هذا القرار الباب أمام تدفق كميات وافرة من الاستثمارات الأميركية الى الشركات الهندية, وأمام الهند للإطلاع على التقنيات الأميركية المتقدمة.
لكن التهديدات المتزايدة حول ضرورة انسحاب القوات الأميركية من القواعد العسكرية في دول وسط آسيا أعاد دفة الميزان لصالح باكستان.
لذا, فهل من السخرية بمكان أن يتم اكتشاف أن ثلاثة من الانتحاريين الذين قتلوا 55 شخصاً وجرحوا أكثر من 700 آخرين في تفجيرات استهدفت نظام النقل العام في لندن في 7 تموز الحالي, كانوا من خلفية عرقية باكستانية وأنهم عادوا إلى باكستان وعلى الأرجح تلقوا تدريباتهم في مخيمات إسلامية في الماضي القريب.
وقد أخذت المفاجأة كلياً سلطات الأمن البريطانية عند إعلان هذه المعلومات: لقد أكّدت في السابق أن الإسلاميين العاملين في بريطانيا لن يقوموا أبداً بتعريض ملاذهم للخطر عبر تدريب أو تجنيد مسلمين بريطانيين لتنفيذ هجمات انتحارية أو غيرها من الهجمات الإرهابية داخل بريطانيا نفسها.
وحتى 7 تموز الحالي, كانت مصادر أمنية بريطانية أكّدت ليونايتد برس انترناشونال أن حة5 (جهاز الاستخبارات البريطانية الداخلي) يعتقد أنه لا يوجد أكثر من 30 مشتبهاً به في بريطانيا قادرين على تنفيذ هجمات إرهابية داخل بريطانيا.
غير أنه بعد اعتداءات 7 تموز قيل ليو بي آي إن هذه التقديرات تضاعفت بمعدل 100 مرة. ويعتقد جهاز حة5 أن ما لا يقل عن 3 آلاف بريطاني مسلم عادوا الى البلاد بعد أن درسوا في مخيمات إسلامية في جنوب ووسط آسيا.
وهذه المعلومات تزيد من حاجة الحكومة البريطانية والحكومات الحليفة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى التعاون الأمني والمعلومات الاستخبارية من باكستان.
وتبقى الولايات المتحدة بالتالي أسيرة موقفها. ففي حين تحاول تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الهند, عليها عدم إرجاع علاقتها بباكستان إلى الوراء أيضاً, ولا يمكنها احتمال ذلك أكثر من أي وقت مضى.